انقاذ مصر ليس بالشعارات والاغاني والظهور في البرامج التليفزيونية لزوم التلميع والمصحوبة باطلاق التصريحات التي تفتقر للعقل والحكمة والادراك السياسي السليم . ان ما يلفت النظر في هذه الحالة التي تعيشها مصر هذه الايام هو التناقض الذي يسيطر علي السلوكيات وعلي كل ما يتم ترديده من اقاويل تنقصها الامانة والمصداقية والاخلاص الوطني. هذه المغالطات تتمثل في تكرار الحديث عن حب مصر والتطلع الي قيام دولة حرة ديمقراطية. ان ما يحدث علي ارض الواقع علي النقيض تماما ويتجسد في تشجيع الفوضي والانفلات الامني وعدم التوافق وما يترتب علي ذلك من عدم استقرار. لا جدال ان هذه الممارسات تؤكد عدم الجدية فيما يقال اضافة إلي السعي المحموم لركوب موجة السلطة لتحقيق اهداف لا علاقة لها بمصالح هذا الوطن. هذه المواقف السلبية تدل علي ان هناك فئة تؤيد ضمنيا تعطيل الانتاج والعمل بما يؤدي إلي إلحاق اكبر الضرر بالاقتصاد القومي. ان اعضاءها يبررون ذلك بادعاء مساندتهم لحق التظاهر والذي من المفترض ألا يؤدي الي وقف دوران عجلة الحياة. ان ما يشير الي سوء نيتهم أو حتي الاستخفاف بالمسئولية الوطنية انهم يصمون آذانهم عن سماع نصائح العقلاء التي تحذر من استمرار هذه الاوضاع التي سوف تقود الي الافلاس وفتح الطريق امام تصفية الثورة . هذه الحالة شملت ايضا معظم الاحزاب القديمة والجديدة وكذلك بعض من رشحوا انفسهم لمنصب الرئاسة. لا احد من النجوم الجدد للقنوات التليفزيونية ّفكر في مصارحة المخربين والمدمرين بجهلهم وسوء فهمهم للحرية التي اتاحتها لهم الثورة. ان حب مصر لا يمكن ان يكون بهذا الشكل وان الديمقراطية تعني حقوقا وواجبات وانضباطا والتزاما بالقانون والنظام العام للدولة والأصالة المصرية. لقد هالني وأشعرني بالحزن والاسي ان لا احد من هؤلاء السادة الافاضل الذين يتطلعون الي الزعامة بغير وجه حق قد تملكته الشجاعة والنخوة الوطنية ليقول للمتظاهرين عمال علي بطال ان تحسن اوضاعهم المعيشية لا يمكن تحقيقه بوقف العمل والانتاج وهو ما يعني انحسارا لموارد الدولة واغلاق ابواب الرزق أمامهم وأمام أولادهم وذويهم. ان كل ما سمعته منهم هو الدفاع الاجوف الذي لا يشم منه الحرص علي مصلحة الوطن ولا مصلحة هؤلاء المتظاهرين وهو ما يشير الي ان سلوكياتهم تتسم بعدم الفهم لمتطلبات الصالح الوطني. انهم لا يدركون ان حرية التظاهر لا يمكن بأي حال ان تكون مطلقة ودون ضوابط . لا معني لهذا التوجه غير الايجابي سوي الدعوة لتكريس الفوضي وعدم اتاحة الفرصة لالتقاط الانفاس واستعادة التوازن المفقود . ان تبني هذا الطريق يمثل انجاحا للثورة ودعما للاقتصاد القومي مما يساهم في رفع شأن الوطن ومكانته. يحق لنا في هذه الحالة ان نقول للعالم ان هذا من انجاز ثورتنا. ان حب مصر ليس ابدا بلطجة وفوضي وتسيبا وشعارات كاذبة وإنما هو توافق وطني وكفاح من أجل ازدهارها ورفعتها. من ناحية اخري فإن المسئولية الوطنية والانطلاق نحو المستقبل الذي نتطلع اليه يتطلب منا جميعا ان نفهم المعاني السامية للدعوة الي الحرية والديمقراطية. لابد ان يكون لدينا الوعي بأنها تستهدف تعظيم الدور الشعبي والتأكيد علي انه مصدر كل السلطات. انها تقوم علي حتمية ان يكون هذا الشعب مسئولا عن ادارة شئون وطنه من خلال من يختارهم بحرية ونزاهة بعيدا عن كل مظاهر الخداع والتضليل. هنا لابد ان تتضافر جهود كل المخلصين لتوعية الشعب وتجنيبه الوقوع في براثن الانتهازيين الذين يتبنون شعارات لا تتوافق ومقتضيات الحياة وتطوراتها ولا يهتمون سوي بمصالحهم الضيقة. يجب الا يسمح الشعب بتسليم اموره لمن يمكن ان يعبث بتراثه واصالته ووسطيته ووحدته الوطنية. اننا نريد مصر قوية بكل ابنائها تحت راية المواطنة الحقة المحترمة من الجميع. يجب التجرد من الافتئات أو الاخلال بالتوازن المجتمعي الواجب وعلي اساس »ان الدين لله والوطن للجميع«. كفانا ما عانينا.. وكفانا حالة التخلف التي نعيشها.