ما يجري علي الساحة المصرية من مظاهر للفوضي والغوغائية والخروج علي النظام هو- ولاجدال- لصالح أصحاب الرأي الذين يقولون إن الحكم بالديمقراطية لا يتناسب مع طبيعة الشعب المصري. قالوا أنه مازال متأثرا بروح »الفرعنة« وانه لا يمكن إدارة شئون البلاد والعباد دون ممارسة ما يشبه »الدكتاتورية« التي تتيح بفسادها السيطرة وتحقيق الانضباط اللازم لسير الحياة. من ناحية أخري فإنه لم يعد مقبولا استمرار الحياة العامة في ظل الفوضي والبلطجة وتواصل الانفلات الأمني وتعاظم الخوف والهلع بتأثير وقائع حقيقية أو اشاعات. من الطبيعي ان يؤدي استمرار هذه الحالة إلي ظهور بعض الأصوات التي تترحم علي أيام ما قبل 52 يناير.. مثل هذه الدعاوي والمشاعر يتم الترويج لها بفعل المناخ العام السائد وهو ما يتنافي مع الواقع وروح التفاؤل إلي المستقبل المنشود الذي نأمله جميعا. الشئ الذي يجب ان ندركه ونؤمن به جميعا هو ان لا تعارض أبدا بين الحرية والديمقراطية وبين مناهضة الفوضي والخروج علي النظام العام. ليس أدل علي هذه الحقيقة مما هو جار علي أرض الواقع في دول العالم المتقدمة والذي يتجسد في دولة مثل ألمانيا وبريطانيا. لا أحد يمكن ان ينكر ان هاتين الدولتين الأوربيتين تجري ممارسة الحرية والديمقراطية فيهما علي أسس ومعايير نموذجية.. ولكن هناك في نفس الوقت التزام صارم بالقانون والانضباط لتحقيق التوازن الحازم بين حقوق وواجبات الفرد.. أي فرد في المجتمع. في هذا المجال استطيع ان اقول ومن واقع معايشتي للحياة في ألمانيا في فترة السبعينيات ان لا عبقرية في هذه الدولة أو شعبها في تحقيق ما وصلت إليه من تقدم وتفوق. ان التميز مصدره احترام الشعب للنظام الذي يصل إلي درجة العسكرية السلوكية في العمل وفي حياتهم الخاصة وهو الأمر الذي اتاح لهم النهوض بوطنهم وبلوغ القمة رغم كل النكسات والكبوات والهزائم. وعلي نفس الطريق سارت دولة مثل كوريا الجنوبية التي كانت قبل أربع عقود أي بعد ثورة يوليو المصرية بسنوات طويلة شيئا لا يذكر اقتصاديا وصناعيا واجتماعيا خاصة انها خرجت من حرب مدمرة قضت علي كل شئ.. هذه الدولة استطاعت بعزيمة وانضباط وارداة شعبها واصراره علي البذل والعطاء والانتاج التحول من دولة »نكرة« إلي خامس دولة صناعية واقتصادية في العالم حاليا. اعود مرة أخري إلي أوضاعنا في مصر والتي كانت مخيبة للآمال- قبل ثورة 52 يناير- في بعض جوانبها. كان نتيجة ذلك ما شهدته من تأخر أدي إلي ان يكون تقدمنا بصورة لا تليق بمقوماتنا وامكاناتنا.. ولقد جاءت ثورة يناير من أجل الاصلاح والتغيير لتجد عناصر الفوضي والتدمير والتخريب تتربص بها بعد ان وجدت فرصتها للفكاك من عقالها لتصبح عقبة أمام رفع معدلات العطاء لتعويض ما فاتنا لبناء الوطن الجديد الذي نتطلع إليه جميعا. انه وللأسف وبدلا من التصدي بحزم لهذه الروح الشيطانية المدمرة اكتفينا باصدار القرارات والمراسيم والتحذيرات التي لم تجد محلا لها من الإعراب. تمثل ذلك في استمرار حالات الفوضي والتسيب التي تهدد الامن والاستقرار. لقد فوجئنا بالذين خرجوا من الجحور بجرأة متناهية واستهتار وعدم مبالاة يضربون عرض الحائط بكل مصلحة وطنية بما في ذلك الثورة نفسها. لا أحدا يستطيع ان يقول ان العمل علي فرض النظام والانضباط وسيادة القانون بالقوة اللازمة هو عمل ضد الحرية والديمقراطية. لا جدال ان الاستسلام لهذا المنطق يعني ايجاد »سبوبة« لهز الأمن والاستقرار!! حان الوقت لأن يعلم الجميع أن التراخي في هذه المهمة هو نوع من التخلي عن مسئولية انقاذ هذا الوطن.