نعم هي أخطر وأهم انتخابات تشريعية في تاريخ مصر الحديث تلك التي تنطلق مرحلتها الأولي اليوم في تسع محافظات مصرية ببساطة شديدة لأن مسار ونتائج هذه الانتخابات لمجلس الشعب ستحدد ما اذا كانت مصر ستنجو بنفسها من هذه المؤامرة الخبيثة المرسومة لها من الخارج ويتم تنفيذها في الداخل أم أن كيد المتآمرين سيحقق الشر المرصود وتدخل البلاد في نفق اسود لا يعلم نتائجه الا الله سبحانه وتعالي. ولذلك فان الاختبار العصيب الذي يواجهه الشعب المصري اعتبارا من اليوم وحتي العاشر من يناير المقبل عندما تعلن اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية ويلتئم شمل أول برلمان مصري منتخب بنزاهة وحرية وشفافية في تاريخ مصر الحديث وتحديدا من يوليو 1952يتطلب من أبناء الشعب المصري كافة أن يبذل كل منهم في موقعه ما يمكنه من جهد حتي تفيق مصر من هذا الكابوس الذي يحيط بها من كل جانب وهو كابوس الفوضي الكاملة التي تضرب أطنابها في كل المجالات . ففي الشارع المصري تخرج المظاهرات وتنظم الاعتصامات وتتوقف مظاهر الحياة الطبيعية لتزيد الأمر سوءا في دولة لم تدخلها استثمارات منذ نحو عشرة شهور وخرجت منها مليارات الدولارات في مشروعات استثمارية توقفت عن العمل أو أنهت وجودها في مصر بما يمثله ذلك من نتائج كارثية في قصية البطالة .وهوت بورصتها الي الحضيض وانخفض تصنيفها الائتماني في العالم ليقترب من التصنيف الائتماني لدولة العراق الممزقة منذ سنوات وتآكل الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة فيها الي درجة مخيفة تهدد باعلان افلاسها . فيما مجموعات من الائتلافات الثورية التي تجاوز عددها المائتي ائتلاف وحركة وعدد من الأحزاب الكثيرة التي توالدت بعد ثورة 25 يناير المجيدة يتنافسون في اتخاذ المواقف السياسية "العنترية " التي تضاعف من حال الفوضي والفلتان . وعبر وسائل الاعلام التي تغطي الشأن المصري تحول الجميع بما فيهم الاعلام الحكومي الي اتخاذ المواقف المتطرفة للحديث باسم الميادين المختلفة وتبني مواقفها في نفاق ناتج من الخوف من الاتهام بمعاداة الثورة حتي لو كان المقابل هو معاداة المصلحة العليا للوطن . وتمادت بعض ان لم تكن الغالبية العظمي من الفضائيات الخاصة في فلتانها وركزت كاميراتها علي كل نقطة ممكنة تشهد مواجهات تحقق الاثارة ولم يعد هناك كاميرات علي وجه الاطلاق تنقل شيئا يشير بأي شكل من الاشكال الي صورة للحياة العادية الطبيعية حتي بدا الأمر وكأن الحياة توقفت في مصر وهو غير صحيح علي الاطلاق . وتباري الاعلاميون الجدد من غير المؤهلين للعمل الاعلامي في ارتكاب الأخطاء التي تصل الي حد الخطايا في الاعتماد علي الخلط بين الخبر ووجهة النظر الشخصية في انتهاك غير مسبوق لأبسط عناصر العمل الاعلامي وهو الموضوعية والحياد . واستمر بضع عشرات من الشخصيات التي اعتلت المنابر الاعلامية علي مدي الشهور العشر الأخيرة بمؤهلات المشاركة في ميدان التحرير أو اي ميادين أخري يتنقلون بين القنوات يرددون الشيء ذاته والمواقف نفسها للظهور بمظهر الأبطال تحقيقا للانتصار علي جثة الوطن ومصالح الشعب المصري المسكين الذين يتحدث الجميع باسمه . وقل نفس الشيء عن مواقع التواصل الاجتماعي وعلي رأسها اللعين تويتر والفيسبوك المستمرة في تهييج الناس بتداول الشائعات ونشر الأكاذيب والصور الملفقة الي درجة لم تترك للعقل مكانا للتفكير . أما القنوات الاعلامية العميلة الأكثر خبثا فتلك تحتاج الي صفحات للحديث عن مخاطرها وخططها لتدمير مصر . والمثير للريبة أن أي وجهة نظر تختلف عن وجهات نظر هؤلاء الاعلاميين الجدد وضيوفهم المتكررين فانها اما أن لا تجد طريقا للوصول الي الناس أو أنها تتعرض للتجاهل التام أو للتقريع والهجوم الشديد القاسي عليها باعتبار أنها وجهات نظر تعارض ما يقوله "السادة الثوار" وأبواقهم الجاهزة . وقد تابعت المستشارة الفاضلة تهاني الجبالي عضو المحكمة الدستورية العليا منذ أيام علي شاشة احدي الفضائيات وهي تحذر من وجود مؤامرة خبيثة وصفتها بأنها أكبر من قدرات الدولة المصرية يتم تنفيذها من الخارج والداخل وأن نجاح هذه المؤامرة يتوقف علي استمرار الحملة العنيفة لاسقاط كل من الشرطة المصرية وهيبة القوات المسلحة المصرية باعتبارهما الجدارين الباقيين من جدران الدولة المصرية القادرين علي انفاذ القانون بالقوة . وقالت السيدة تهاني الجبالي - ومواقفها في تأييد ثورة 25 يناير منذ البداية ودعم الديمقراطية وحرية التعبير حتي قبل الثورة - في لغة واضحة انها تعرفت علي دلائل وأدلة المؤامرة الخبيثة . لكن بكل الأسف لم تهتم اي من وسائل الاعلام بمثل هذا الحديث الخطير الصادر عن سيدة في قيمة وقامة أول سيدة تنضم لعضوية المحكمة الدستورية العليا في تاريخ مصر . وعندما يتحدث الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين واسع الخبرة ثري المصادر في مقال يوم 23 سبتمبر الماضي عن الخرائط الجديدة للشرق الأوسط التي يتم اعدادها لتقسيم العالم العربي والاسلامي بعد طوي الخرائط القديمة وانزالها من علي الحوائط لأنظمة قديمة بشخوصها وشخصياتها . وكذلك وصفه الواضح لما يعرف بالربيع العربي بانه : " ليس مجرد الربيع العربي تهب نسماته علي المنطقة، وليس مجرد عاصفة تقتحم أجواءه برياحها وغبارها وعتمتها، وإنما هو في ذات الوقت تغيير إقليمي ودولي سياسي، يتحرك بسرعة كاسحة علي جبهة عريضة، ويحدث آثارا عميقة، وأيضا محفوفة بالخطر!! " . ولم يكن وصف الأستاذ هيكل لما يجري اليوم بأنه "لحظة السقوط النهائي، فاذا المشروع يتهاوي كتلا وأحجارا وعوالق وزوائد، لم تكن في الحقيقة تمثله أو تعبر عنه، لأنها كانت رواسب مرحلة " . وحديثه الواضح حول المخطط بقوله : "المشروع الغربي: وهو أمريكي أوروبي، وهو مشروع يؤرقني فعلا، وأراه أمامي يزحف علي خطين وبحركة كماشة علي الجناحين تطوق وتحاصرالخط الأول مرئي مسموع محسوس، ومسعاه إغراق المنطقة في صراع إسلامي- إسلامي، بالتحديد سني شيعي , وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات, عندما سقط النظام »الإمبراطوري« في إيران، وحل محله نظام الثورة الإسلامية" . ويضيف أن هذا الخط جاء عندما : " نصح الناصحون من الخبراء وأولهم المستشرق الأشهر »برنارد لويس« بالتركيز علي تناقض »عربي فارسي« له جذور تاريخية، لكن العمل علي هذا التناقض لم يبلغ مقصده، وكذلك جري تطويره بالفتنة المذهبية بين السنة والشيعة" . عندما ينشر كلام بهذه الخطورة ولا يجد من يفتح الندوات للمناقشة والحوار بل لا تجد له أذانا صاغية وانما استمرار للهو في أمور تستغرقنا حول تقسيم الكعكة المتمثلة - ويا للأسف - عن تدمير وطن . هنا يكون الخطر بعينه . حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .