تري أيهما أعظم أجرا.. ان تحج بنفسك لنفسك للمرة الثانية أو الثالثة أو حتي العاشرة، أم تقدم نفقة الحج لغيرك لم يحج وتتوق نفسه لهذه العبادة ولا يقدر علي نفقاتها.. لكي يحج لنفسه علي حسابك؟ وحتي يصيب هذا السؤال مكانه في نفسك لابد ان اسأل سؤالا آخر لا غني عنه لكي تخرج الاجابة صحيحة وهو: هل تذهب للحج وتكرره طلبا لرضا الله وابتغاء لمزيد من الأجر والثواب، أم أنك تذهب تلبية لهوي نفسك في السفر وركوب الطائرة وزفة المودعين واستقبال المهنئين وشراء الهدايا وسرد الروايات والحكايات عن الحج ومشقته ومفارقاته؟ ودعني أجيب عنك بان كثيرا أو حتي كل الذين يذهبون لتكرار الحج قد تعلقوا بهذه العبادة وعشقوها يبتغون بها الأجر والثواب وارتفاع المنزلة عند الله. وهناك أحاديث عديدة تحض علي تتابع الحج والعمرة وبأنهما ينفيان الفقر وبان الحج هو جهاد في سبيل الله لمن عجز عن جهاد العدو بالسلاح في ميادين القتال. وبأنه أفضل الاعمال إلي الله بعد الايمان بالله ورسوله.. ولكن هناك طريقا ثانيا نستطيع ان نحقق به كل ذلك وهو ان تساعد غيرك لكي يؤدي هذه الفريضة انطلاقا من أن »الداعي إلي الخير.. كفاعله« فلو سافر احدهم لأداء الفريضة علي حسابك نال هو ونلت انت معه كل ما حصل عليه بنسبة 001٪.. نعم لن ينقص من أجرك أي شيء ولكن المشكلة ان هذا العمل يتعارض مع هوي النفس في السفر وارتداء ملابس الاحرام والشرب من زمزم والجلوس أمام الحرم.. كل هذه الطقوس تتوق النفس اليها ولا عجب. ولكن انظر لغيرك ممن حرموا من نعمة المال واعينهم تفيض من الدمع حزنا علي عدم قدرتهم اداء هذا النسك العظيم.. فكيف يكون اجرك لو ساعدتهم وأخذت بيدهم لأداء هذه العبادة. فلا تكون حكرا علي الاغنياء فقط ولو فعلتها ستشعر بالفخر لانك استطعت ان تهزم نوازعك وتنتصر علي نفسك. والأمر يمتد أيضا إلي العمرة. وهناك أناس ممن وسع الله عليهم في الرزق يذهبون إلي العمرة كل عام ربما أكثر من مرة ويتمتعون بها ويعودون وكلهم سعادة ينتظرون العمرة التالية دون ان يسأل أحدهم نفسه: ماذا لو اتحت الفرصة لغيري، وكما يسر الله لي أكون أنا سببا في التيسير علي شخص آخر ليؤدي العمرة علي نفقتي فيرتدي هو ملابس الاحرام ويركب الطائرة ويطوف بالبيت الحرام ويسعي ويشرب زمزم. تري كم تكون سعادته وكم يكون اجري؟ هل أنا أكرم أم الله الذي سيباهي بي ملائكته ويقول لهم انظروا إلي تضحية عبدي لعبدي. اشهدكم اني قد غفرت له. لقد دفعني إلي كتابة هذا المقال ما فعله أحد اصدقائي ترك الحج هذا العام لصديق آخر وقد اتاح الله لي بصدفة فريدة ان أعرف ما جري رغم حرص صديقي الأول علي تكتم الأمر من بدايته، فلم أعرف إلا بعد عودة الحجاج وفي ظروف خاصة جدا.. وقد أكبرت العمل.. وتأملته وسألت فيه بعض العلماء فأكبروه مثلي. ولعل الله سبحانه وتعالي يجعل من هذا المقال سببا لاصحاب الأموال الذين يتابعون الحج والعمرة لكي يأخذوا بأيدي غيرهم من الاتقياء الاخفياء الذين لا يملكون القدرة المادية ليؤدوا فريضة الحج أو منسك العمرة فيفتحوا لانفسهم احد أبواب الرحمة الواسعة وينالوا بها من كرم الله وعفوه.