في مقال الامس تحت عنوان »تجميد عضوية سوريا ليس الحل المناسب« تناولت عجز الجامعة العربية عن ايجاد حل للازمة السورية. أشرت الي المؤامرة الغربية التي تستهدف تمزيق الأمة العربية والتي تم تفعيلها من خلال ممارسات نظم الحكم الاستبدادية والديكتاتورية . هذه النظم ظلت لسنوات طويلة تحظي بالرعاية والحماية والدعم من الامبريالية الامريكية . في نفس الوقت كان هناك تربص بالامة العربية وترقب لفرصة الانقلاب مستغلة غضب وثورات الشعوب التي كانت تئن من الظلم وعمليات التنكيل. هذه الاستراتيجية ليس هدفها كما هو معلن مساندة الولاياتالمتحدة ومن ورائها »الدلاديل« من الدول الغربية لقيام نظم حرة وديمقراطية نتيجة ثورات الشعوب وانما تستهدف بشكل اساسي ان تفرز هذه الثورات نظم حكم موالية ومتواطئة مع مصالحها وسياساتها. ان الاولوية بالنسبة لاستراتيجيتها هي الاستجابة للهيمنة والسيطرة والنفوذ والتجاوب مع سياستها المنحازة لأطماع اسرائيل والصهيونية العالمية طوال سنوات طويلة وحتي الآن. وفقا لهذا المخطط القائم علي تحويل الثورات الشعبية العربية إلي ما يسمي »بالفوضي الخلاقة« داعيا الي تمهيد المناخ للدفع بالموالين لها الي الحكم في هذه الدول. وليس هناك ما يمنع في اطار من الخداع والتضليل الي تقديم الطعم اللازم المتمثل في بعض الحوافز لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. لقد بدأت هذه المؤامرة التي استمر الاعداد لها وتنفيذها عدة سنوات مرتكزة في العمل علي تقسيم وتفتيت العالم العربي في افريقيا العربية بدءا بالصومال ثم بالسودان ثم تونس ثم مصر ثم ليبيا والبقية تأتي. في نفس الوقت سارت احداث اليمن المأساوية والتي اريد منها ان تكون مؤشرا لكل دول الخليج وبينما تتفاقم الاوضاع في هذا البلد تتواصل المهمة في الشرق العربي متمثلة في سوريا احدي دول المواجهة الرئيسية مع اسرائيل حليفة وربيبة امريكا . وكما حدث في الدول العربية الاخري التي ظلت لسنوات طويلة ضحية للحكم الديكتاتوري المستبد. بدأت عملية ركوب ثورة الشعب السوري التي تخضبت بدماء الشهداء. لقد كان من المفروض ان تقوم جامعة الدول العربية من البداية باحتواء الموقف والعمل علي ايجاد تسوية تؤدي الي ايجاد حل لهذا الصراع الدموي الدائر هناك.. ولكن المسئولين في هذه المنظمة العربية انتظروا حتي تفاقمت الاوضاع ووصلت الامور الي اللارجعة مما اعطي الفرصة الي تدخل القوي الاجنبية بقيادة واشنطن. وهكذا كان العجز في حل هذه الازمة في اطار من الأخوة وتجنب الاخطار المحدقة ليس بسوريا وحدها وانما بالعالم العربي كله. تمثل التآمر علي الجامعة العربية في استسلام مجلس وزرائها للضغوط التي مورست عليه في التصدي لتعقيدات الموقف السوري. تجسد هذا الفشل في العجز عن التقريب بين المجلس الوطني للثورة وبين النظام الحاكم بزعامة بشار الأسد من أجل التوصل الي مخرج لهذا الصراع الدموي الذي بدأ من حوالي سبعة شهور ومازال مستمرا . ان الدلائل تشير الي وجود ايد خفية عملت علي تبني عملية اثارة النفوس ودفع الامور الي الصدام وصولا الي هذه النتيجة المؤسفة التي يتحمل تداعياتها ثوار سوريا وحكامها علي السواء. ان القائمين علي عمليات التحريض لجأوا الي صب الزيت علي النار المشتعلة من أجل قطع الطريق علي أي محاولة لحل الازمة. انها نفس الايدي التي مارست نفس الدور في مصر وفي اليمن وفي ليبيا الي درجة المشاركة في العمليات العسكرية للناتو التي استهدفت تدمير ليبيا وليس القضاء علي القذافي. ان ما تتعرض له ثورات العالم العربي من سطو وخطف سوف تظهر اثاره المدمرة بعد سنوات قليلة متمثلا في تعاظم التبعية الكاملة للقوي الخارجية. ان عملية تعديل المواقف نحو الاتجاه الوطني الصحيح يحتاج الي استعادة الحكمة الغائبة وان تتدخل القوي الشعبية التي اصبح بيدها وحدها القيام بعملية الانقاذ قبل فوات الاوان. ان الصورة القاتمة للمستقبل علي ضوء هذا المخطط الجهنمي يتطلب من الثوار الشرفاء الحرص والحذر ليس من القوي الخارجية وحدها ولكن ايضا من العملاء داخل الامة العربية.