منذ شهور أهداني فنان الاوبرا العالمي الدكتور جابر البلتاجي مجموعة من الاسطوانات المضغوطة، طبعها للأصدقاء وليس للتداول التجاري، تحوي أداءه لبعض من تراثنا الغنائي، محمد عبدالوهاب، فريد الاطرش، محمد فوزي، عبدالغني السيد، عبدالحليم حافظ وديع الصافي، سعد عبدالوهاب، ومحمد قنديل، بينهم اسطوانة خاصة، بأشهر الاغاني والاناشيد الوطنية، أعرف الدكتور البلتاجي فنانا للاوبرا، استاذاً للغناء الاوبرالي باكاديمية الفنون، ذائع الصيت في العالم لكنني لم أعرفه مؤديا للغناء العربي، كما أنني أتعامل بحذر مع بعض التجارب التي حاولت المزج بين الموسيقي الشرقية والغربية، كأن يُقال مثلا كونشيرتو القانون، إنني من المتحمسين للموسيقي العربية في قالبها الكلاسيكي، وقواعدها الخاصة القائمة علي الارتجال والتصرفات اللحنية من خلال التخت حتي إنني اتحفظ كثيرا علي شكل الفرق الموسيقية المتخصصة في تقديم التراث، خاصة هيئة المايسترو والبدل السوداء والانتظام الصارم، وهذا مستوحي من الفرق التركية المشابهة، أقدمت علي سماع تجربة الدكتور البلتاجي، وإذا بالمفاجأة، أصغيت إلي صوت عريض، جميل، قادر علي الأداء وإبراز جماليات الالحان الشرقية في إطار أداء اوبرالي رفيع، بالتأكيد لم يكن اختياره للأغاني عشوائيا، خاصة تلك الاغنيات والالحان ذات المطالع الاوبرالية مثل »النيل نجاشي« و»حب الوطن« و»عاشق الروح« أهم عنصر في الاداء الفني الصدق، فإذا كانت المغامرة الفنية قائمة علي الاحساس العميق، والخبرة المتمكنة من الأنواع الموسيقية المختلفة، تتلاقح الأنغام وتولد الاشكال الجديدة، وهذا ما حققه الدكتور البلتاجي، إن صوته »الباريتون« اكتشاف حقيقي، لجماله وادائه للألحان العربية. وأتمني من محطات التليفزيون المصرية، العامة والخاصة، كذلك قنوات الإذاعة، الاهتمام بهذا الفن الجميل وتلك المغامرة الفنية المحسوبة بدقة والتي أقدم عليها واحد من أبرع الفنانين المصريين وأكثرهم انتماء إلي تراثه الخاص رغم دراسته وتخصصه في فن الاوبرا الغربي، تجربته تقول إن التراث الإنساني يتلاقي إذا كان المنطلق صادقاً.