رغم كل المسئوليات الملقاه علي عاتق القوات المسلحة والاعباء المهمة التي تتحملها خلال الفترة الانتقالية..إلا أن ذلك لم يشغلها عن واجبها الأساسي وهو حماية الأمن القومي المصري والاستعداد القتالي بالأسلحة الحديثة للدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء خارجي أو المساس بأمنه وحدوده.. وأقول ذلك علي ضوء المناورة »انتصار البحر 44« والتي تعد أكبر مناورة في تاريخ البحرية المصرية نظرا لنوعية القطع البحرية المشتركة وطرازاتها المختلفة. ومن هذا المنظور جاء تأكيد المشير حسين طنطاوي القائد العام - رئيس المجلس الأعلي - علي عدة نقاط مهمة: 1- أن هذا المناورة تعد بمثابة رسالة توجهها القوات المسلحة للعالم بأنها في أعلي درجات الاستعداد والكفاءة القتالية. 2- ان القوات المسلحة لم تنس مهمتها الرئيسية في الدفاع بالتدريب الواقعي والمستمر لردع كل من يحاول المساس بأمن مصر واستقرارها. 3- أن القوات المسلحة تقوم خلال هذه الفترة الانتقالية بمهام الإصلاح السياسي وتأمين الجبهة الداخلية بعد ثورة 52 يناير.. ويجيء ذلك في الوقت الذي تستعد فيه لتأمين انتخابات مجلس الشعب والضرب بيد من حديد علي أعمال البلطجة ومحاولات إفساد العملية الانتخابية الحرة وترويع الناخبين. وهذه المهمة في حد ذاتها تعتبر دليلا علي قدرة القوات المسلحة علي القيام بواجبها الداخلي ومباشرة مسئوليتها الخارجية في حماية مصر وفي مرحلة صعبة.. وقد اثبتت العسكرية المصرية وطنيتها وولاءها في كل الظروف وانحيازها للشعب. ومن يتأمل المشهد من حولنا في المنطقة يدرك مدي صعوبة المهمة وحساسيتها، فإن الشعب المصري ينظر دائما إلي قواته المسلحة علي انها درع الامان وسلاح الردع في مواجهة القوي المتربصة والتي تسعي إلي استغلال ظروف الثورات في الدول العربية لكي تنفذ مخططاتها السرية التي لم تنقطع منذ مشروع الشرق الأوسط الكبير! وكما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل برؤية استشراق نافذة: إن المنطقة يجري اعدادها لحدث كبير ولا يبدو أن أحدا مدرك لذلك، والحدث الكبير هو المواجهة النهائية مع إيران وهي المواجهة المؤجلة من رئاسة بوش الابن إلي الآن حيث يستعد الرئيس أوباما لانتخابات الرئاسة الثانية.. وإذن فإن نذر الخطر تحلق في المنطقة وتحتم ضرورة الاستعداد.. ووسط تلك الاحتمالات فإن المنطقة تموج بالمتغيرات نتيجة الثورات في مصر وتونس وليبيا وكذلك الثورات التي لم تحسم في سوريا وفي اليمن والتي تجد اصداء لها في الدول العربية المجاورة حيث تتطلع شعوبها إلي الحرية والعدالة الاجتماعية! ومن هنا تجيء أهمية وجود القوات المسلحة المصرية القوية والقادرة وسط هذه الظروف لحماية الحدود والدفاع عن الأمن القومي.. لان مصر تواجه وجود حلف الأطلنطي في ليبيا »في الغرب« ووجود اسرائيل »في الشرق« وكذا وجود مشاكل في السودان »في الجنوب« وكلها أمور تستلزم اليقظة الشديدة والقوة القادرة خاصة ان هناك قوي خارجية تريد تعويق دور مصر المحوري في المنطقة، وفي ظل غياب الدول الاخري المؤثرة في النظام العربي مثل العراق وسوريا والجزائر، ولذلك فإن القدرة العسكرية للقوات المسلحة المصرية واستعدادها القتالي يعتبر ضروريا للأمن القومي العربي وأمن الخليج.. ولا يمكن تجاهل محاولات إيران للسيطرة علي دول الخليج الصغيرة ومطامعها التي لا تنتهي تجاه البحرين ومحاولاتها للتدخل من خلال ا لوجود الشيعي هناك والذي تجلي في اثارة القلاقل وبما جعل البحرين تستعين بقوات درع الجزيرة لإقرار الأمن والاستقرار! وعندما نتجه بالنظرة الشاملة إلي ما يجري في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي فإننا نجد ان الاوضاع مازالت غير مستقرة وغير واضحة المعالم، والمجلس الوطني الانتقالي الليبي والحكومة الجديدة يبدو غير قادر علي ضبط الامور مع وجود كميات كبيرة من الاسلحة في أيدي الثوار، وانتشار الفوضي الامنية والتصفيات في المدن التي كانت تحت سيطرة كتائب القذافي.. وفي ظل انقسام بين القوي الثورية واحتمال وجود خلايا لتنظيم القاعدة في بنغازي وما حولها من المدن التي انطلقت منها الثورة في المنطقة الشرقية.. وبينما تقوم دول حلف الاطلنطي بتقسيم الكعكة واقتسام البترول الليبي حيث حصلت فرنسا علي 03 في المائة، ولاشك ان ليبيا في حاجة إلي إعادة التعمير بعد التدمير البالغ الذي أصاب البنية التحتية في المدن التي جري القتال العنيف فيها بين الثوار وكتائب القذافي وخاصة مصراتة وسرت وغيرها.. وإذا اتجهنا بالنظرة الفاحصة إلي سوريا فإننا نجد ان نظام بشار الأسد مهدد بنفس المصير إذا لم تنسحب قوات الجيش السوري من الشارع ولم تتوقف عن قتل المتظاهرين في حمص وحماة ودرعا وغيرها، وإذا لم يستجب النظام بصدق النوايا لجهود الجامعة العربية وفق بنود مبادرة وزراء الخارجية لإنهاء الأزمة مع المعارضة.. وقد ينفجر الموقف بعدما دخلت الولاياتالمتحدة علي الخط واعلن البيت الأبيض أن بشار الأسد فقد شرعيته ويجب عليه التنحي.. وبينما إيران تدس انفها وتعرب عن دعمها الصريح للأسد حتي تحافظ علي التحالف القائم بينهما! أما الموقف في اليمن فإنه يحوطه الغموض بالنسبة لمصير علي عبدالله صالح رغم ما يقال عن استعداده للتنازل عن السلطة لنائبه حقنا للدماء وتجنب نشوب حرب أهلية! وهكذا تبدو أبعاد الموقف من حولنا في المنطقة التي تتدخل فيها الاصابع الخارجية وتسعي للسيطرة علي مقدراتها في خطط ونوايا مبيتة تصل إلي حد التقسيم وإعادة رسم الخريطة!