واصلت واشنطون ولندن ضغوطهما علي أعضاء مجلس الأمن فصدر القرار رقم 883 في 11نوفمبر 1992 ليزيد من العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي علي ليبيا عقاباً لنظامها الحاكم علي عدم تنفيذ الطلب الأمريكي/البريطاني بسرعة تسليم الموظفين الليبيين المتهمين بالتورط في تفجير طائرة الركاب الأمريكية أثناء طيرانها فوق قرية لوكيربي في اسكتلندا. العقوبات الجديدة شملت كما تذكرنا بها الموسوعة المتميزة »بويكيبدي«: حظر الطيران من ليبيا وإليها. منع تصدير الأسلحة. وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية معها. استمر الحصار علي الجماهيرية تحت مظلة الأممالمتحدة ورغم ما جره هذا الحصار من معاناة للشعب الليبي، ظل الأخ العقيد رافضاً الضغوط والتهديدات، متشبثاً بالسيادة الوطنية علي أرضه. وفي الوقت نفسه فاجأنا القذافي بالقيام بتحرك دولي علي أوسع نطاق نجح فيه علي غير عادته في كل تحركاته ومواقفه بإقناع كثيرين بالوقوف إلي جانبه والموافقة علي الاقل علي اقتراحه بمحاكمة المشتبه فيهما في بلد ثالث غير الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وبالفعل.. استطاع القذافي إلي حد بعيد أن يحظي بدعم الدول العربية، ممثلة في جامعتها، التي شكلت »لجنة سباعية« دائمة لهذا الغرض. كما حصل علي مساندة دول عدم الانحياز. ولعل أهم دعم حصل القذافي عليه جاء من الدول الأفريقية التي قررت في قمتها التي انعقدت في عاصمة بوركينا فاسو في 10يونيو 1998 كسر الحظر المفروض علي ليبيا بحلول شهر سبتمبر من نفس العام ما لم يستجب إلي مطالبها(..). وجاءت المفاجأة الأكبر عندما أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً لصالح الاعتراض الليبي استناداً إلي أن القضية ليست من اختصاص مجلس الأمن، لأنها لم تنطو علي ما يهدد السلام الدولي«. بالإضافة إلي العديد من القرارات التي أصدرتها دول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية تتحدي فيها الحظر الجوي المفروض علي ليبيا، وتوافق علي الضمانات التي قدمتها ليبيا بألا تتحول محاكمة المتهمين في دولة محايدة يتفق عليها إلي محاكمة سياسية، وأنهما سيلقيان محاكمة جنائية عادلة، ويتبع تسليمهما فوراً البدء بإجراءات رفع العقوبات عن ليبيا. أمام هذا التحرك الدولي واسع النطاق لصالح ليبيا.. اضطرت الدولتان أمريكا وبريطانيا إلي الإذعان والموافقة علي محاكمة الموظفين الليبيين في بلد ثالث : هولندا. وبعد اجراءات استمرت فترة طويلة.. بدأت المحاكمة بهيئة مؤلفة من 3 قضاة، واستمرت لمدة 84 يوما. وفي نهاية يناير2001 أدانت المحكمة أحد المتهمين المقرحي استنادا إلي قرائن ظرفية، وبرأت الآخر. كما أصدرت حُكِمها علي المقرحي بالسجن المؤبد بعد إدانته بالتورط في واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ البشرية. في نوفمبر2003 قررت المحكمة العليا في اسكتلندا أن علي المقرحي أن يمضي 27عاما علي الأقل في السجن قرب جلاسكو قبل أن يحظي بالإفراج المشروط. أمضي المقرحي فترة سجن طويلة.. إلي أن تم الافراج عنه فيما بعد لأسباب صحية فقط بزعم إصابته بمرض سرطان البروستاتا، وتمت إعادته إلي ليبيا دون تبرئته.. حيث استقبل استقبال الأبطال! .. وهذه قصة أخري يستحق التذكير بها.