»إن قول الله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) تعقيب علي ماذا؟ تعقيب علي أنه أعفي المريض وأعفي المسافر من الصيام، فكأن الله يريد بكم اليسر، فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسرا لا ميسرا والله لا يمكن ان يكون كذلك». الحق سبحانه وتعالي يشرع لفائدة الخلق فقط، والذي يدلك علي ذلك أنك تجد تشريعات البشر تأتي لتنقض تشريعات أخري، لان البشر علي فرض أنهم عالمون فقد يغيب عنهم أشياء كثيرة، برغم أن الذي يضع التشريع يحاول أن يضع امامه كل التصورات المستقبلية، ولذلك نجد التعديلات تجري دائماً علي التشريعات البشرية، لأن المشرع غاب عنه وقت التشريع حكم لم يكن في باله، وأحداث الحياة جاءت فلفتته اليه، فيقول: التشريع فيه نقص ولم يعد ملائماً ونعدله. إذن فنحن نريد في من يضع الهدي والمنهج الذي يسير عليه الناس بجانب عدم الانتفاع بالمنهج لابد أيضاً أن يكون عالماً بكل الجزئيات التي قد يأتي بها المستقبل وهذا لا يتأتي إلا في إله عليم حكيم، ولذلك قال تعالي: »وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» (الانعام:153). ستتبعون السبل، هذا له هوي، وهذا له هوي، فتوجد القوانين الوضعية التي تبددنا كلنا في الارض، لأننا نتبع أهواءنا التي تتغير ولا نتبع منهج من ليس له نفع في هذه المسألة، ولذلك أقول: افطنوا جيداً إلي أن الهدي الحق الذي لا أعترض عليه هو هدي الله (هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ) والقرآن في جملته (هدي) والفرقان هو أن يضع فارقا في أمور يلتبس فيها الحق بالباطل، فيأتي التنزيل الحكيم ليفرق بين الحق والباطل. ويقول الحق: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام أخر)، وحين تجد تعقيباً علي قضية فافهم أن من شهد منكم الشهر فليصمه ولابد أن تقدر من شهد الشهر فليصمه إن كان غير مريض، وإن كان غير مسافر، لابد من هذا ما دام الحق قد جاء بالحكم و(شهد) هذه تنقسم قسمين: (فمن شهد) أي من حضر الشهر وأدركه وهو غير مريض، وغير مسافر أي مقيم، (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، ونريد أن نفهم النص بعقلية من يستقبل الكلام من إله حكيم، إن قول الله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). تعقيب علي ماذا؟ تعقيب علي أنه أعفي المريض وأعفي المسافر من الصيام فكأن الله يريد بكم اليسر، فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسراً لا ميسراً والله لا يمكن أن يكون كذلك، بل أنت الذي تكون معسراً علي نفسك فإن كان الصوم له قداسة عندك، ولا تريد أن تكون اسوة فلا تفطر أمام الناس، والتزم بقوله الله: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، لأنك لو جنحت إلي ذلك لجعلت الحكم في نطاق التعسير، فنقول لك: لا، إن الله يريد بك اليسر فهل أنت مع العبادة أم أنت مع المعبود؟ أنت مع المعبود بطبيعة الإيمان ومثال آخر نجده في حياتنا: هناك من يأتي ليؤذن ثم بعد الأذان يجهر بقول: (الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله) يقول: إن هذا حب لرسول الله لكن هل أنت تحب الرسول إلا بما شرع؟ إنه قد قال: إذا سمعت النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا عليّ) فقد سمح الرسول صلي الله عليه وسلم لمن يؤذن ولمن يسمع أن يصلي عليه في السر، لا أن يأتي بصوت الأذان الأصيل وبلهجة الأذان الاصلية ونصلي علي النبي، لأن الناس قد يختلط عليها، وقد يفهم بعضهم أن ذلك من أصول الأذان، إنني أقول لمن يفعل ذلك: يا أخي، الا توجد صلاة مقبولة علي النبي إلا المجهور بها؟ لا إن لك أن تصلي علي النبي. لكن في سرك، وكذلك إن جاء من يفطر في رمضان لأنه مريض أو علي سفر، نقول له: استتر، حتي لا تكون اسوة سيئة، لأن الناس لا تعرف أنك مريض أو علي سفر، استتر كي لا يقول الناس إن مسلما أفطر، ويقول: (ولتكملوا العدة) فمعناها كي لا تفوتكم أيام من الصيام.