من الأمور العجيبة في الشأن المصري، أن يتم البدء في إجراء انتخابات بعد ثورة شعبية قوية بدأت في 52 يناير 1102م، والغموض فيها واضح وضوح الشمس لكل ذي عينين، ويكاد المرء يهتز من داخله ويكاد يفقد الثقة في أغلب السياسيين علي المسرح الآن، نظراً لعدم قدرتهم علي اتخاذ الموقف الصحيح في الوقت الملائم. فظهر هؤلاء وهم يتكالبون علي الانتخابات لمحاولة الحصول علي أو استحواذ الغالبية من مقاعد البرلمان، وكأن المسألة باتت من غنائم الثورة مثل غنائم الحروب!! فالثورة تعني التغيير الجذري، وقد شرحنا في ذلك مراراً، ولا يحتاج الأمر إفاضة، والحادث في الشأن المصري، أنه لم يحدث تغيير يذكر، وليدلني شخص واحد فقط علي خطوة تغييرية واحدة ربما لا أراها!! فرغم مرور ما يقرب من تسعة أشهر علي بداية الثورة وأكثر من ثمانية أشهر علي خلع حسني مبارك، إلا أن مصر لم تدخل في التغيير الحقيقي، وتحول الأمر إلي سيرك كبير، يمارس فيه أصحاب السلطة الجدد »ألاعيبهم« أمام الجمهور سعياً للتصفيق، إلا أن هذا الجمهور يرفض التصفيق لأنه لا يستطيع أن يتفاعل مع من لا يشعرون به وبطموحاته وآماله. فقد حصل هؤلاء علي قيمة تذاكر الحفلة من الجمهور »ثقة الشعب فيمن زعموا أنهم حماة الثورة«، ثم مارس لاعبو السيرك »أهل السلطة الجدد« أدواراً غير معلن أو متفق عليها!! فانفض الجمهور ساخطاً، مطالبين برد قيمة التذكرة، وطرد ومحاكمة من تلاعب بهم. هذا هو المشهد الحالي في مصر، حيث تجري انتخابات غير متفق علي قواعدها، وتبدو كأنها انتخابات نوفمبر 0102 في ثوب جديد لا أكثر ولا أقل.. وقد تعلمنا ببساطة أن النتائج مبنية علي المقدمات، والمقدمات الخاطئة تؤدي إلي نتائج خاطئة، وفكرة المشاركة في كل شيء بعدما عانينا في محاولات عديدة لإثبات الوجود، أثبتت خطأها رغم أنها فضحت ما كان خافياً من نوايا سيئة!! وبعدما تيقن لي أن هذه الانتخابات خاطئة منذ عدة شهور، وأن هناك تلاعبات عمدية من جانب أولي الأمر »المجلس العسكري والحكومة الوهمية«، أدركت علي الفور أن هذه التلاعبات ستؤدي إلي »انتخابات وهمية« بلا شك، سندفع ثمنها أكثر مما دفعناه، ومن ثم قررت مبكراً عدم الاستعداد لها، ثم قررت مقاطعتها حتي لا أشترك في مهزلة جديدة، وقد يري البعض أن المقاطعة هي انسحاب.. وأرد بأن المقاطعة موقف سياسي متكامل يدرك حقيقة ما يجري علي أرض مصر بعد الثورة، بأن هناك خطة عمدية لإجهاض الثورة والإجهاز عليها وإدخال الشعب والسياسيين في عملية سياسية تؤكد وجود نظام مبارك وقواعد حكمه وأن الثورة قد اختزلت في مجرد الإطاحة بحسني مبارك واغتيال مشروع توريث السلطة ليركب آخرون علي المقاس وبما لا يقوض نظام مبارك وشبكة تفاعلاته وفساده، وإعادة إنتاج هذا النظام، وأن العملية السياسية سيكون هدفها تأكيد نظام مبارك برموزه وقواعده وسياساته، وأية نتائج لهذه الانتخابات لا تؤكد ذلك محكوم عليها بالإلغاء مقدماً!! لقد مكثت طوال الشهور الماضية أوضح للرأي العام خطورة ثلاثة أشياء هي: 1 فساد النظام الانتخابي المختلط الذي يجمع بين »القائمة والفردي« وأنه سيسمح لقوي المال والنفوذ والبلطجة ورموز الحزب الوطني المنحل للعودة إلي المسرح السياسي تأكيداً لعدم قدرة الثورة علي التخلص منهم، وقد روجت لنظام انتخابات بالقائمة النسبية المغلقة وغير المشروطة التي تسمح بثلاثة أشكال لها هي: قائمة لكل حزب علي حده، وقائمة للمستقلين، وقائمة للائتلافات الحزبية والمستقلين. ورغم موافقة »جميع« القوي السياسية عليها، إلا أنها لم تصمد فيما بعد وقبلت بضغوط المجلس العسكري للدخول في عملية سياسية يتم بمقتضاها توزيع المقاعد وهدفها »الكرسي« للأسف في حد ذاته دون وعي بمخاطر ما يحدث. وقد أثبت الواقع بعد فتح باب الترشيح في 21 أكتوبر، أن 09٪ ممن تقدموا علي المقاعد الفردية من قيادات الحزب الوطني المنحل، وقوائم عشرة أحزاب منهم في الطريق! 2 خطورة عدم صدور قانون بالعزل السياسي وقانون الغدر، حيث تلاعبت بنا الحكومة من يوليو الماضي، وكذلك المجلس العسكري، والغريب أنه تم فتح باب الترشيح دون صدور هذين القانونين، ثم تتحدث الصحف القومية التي مازالت حكومية في مانشيتاتها أن قانون العزل سيصدر خلال ساعات، لتمر الساعات دون صدوره، وسيغلق باب الترشيح علي من ترشحوا من قيادات الحزب الوطني المنحل وكأن شيئاً لم يحدث في مصر، وكأن الثورة كانت »حلماً« وليست حقيقة!! 3 خطورة »الغياب الأمني« العمدي، والذي من شأنه التأثير السلبي علي سير عملية الانتخابات الحقيقية، وقد تأكدت هذه المخاطر في موقعة ماسبيرو التي راح ضحيتها 72 شهيداً ومئات الجرحي، امتداداً لموقعة الجمل، وموقعة العباسية وموقعة التحرير بعد الثورة، وموقعة السفارة ومديرية أمن الجيزة، وكلها رسائل مفخخة تؤكد أن الانتخابات مجرد وهم ليتسلي بها السياسيون، وبمرور الوقت تبرد الثورة وتصبح في خبر »كان«!! لذلك، فإن صدور قانون انتخابات سييء، وعدم صدور قانوني العزل السياسي والغدر، والغياب الأمني العمدي، كفيل بإتمام انتخابات إن تمت وتكوين برلمان ضد الثورة وليس معها.. ولا ينفع الندم من أي سياسي تفاعل مع هذه الجريمة السياسية وهي الاشتراك في »اغتيال الثورة الشعبية العظيمة« ولا عذر لأحد بعد ذلك، ولن يكون هناك تبرير يتشدق به هذا أو ذاك. فلماذا يصر المجلس العسكري علي نظام انتخابي مرفوض من القوي السياسية، ولماذا يرفض ما اتفقوا عليه؟! ولماذا لم يصدر قانوني العزل السياسي والغدر؟! ولماذا الغياب الأمني المتعمد؟! أليس هناك من تفسير خارج التفسيرات الشكلية؟! لقد قدمت اجتهاداتي في التفسير طوال الأشهر الماضية، ولم أتخل عن دوري السياسي، وابتعدت عمداً عن التحالفات الوهمية هنا أو هناك، ومكثت دائماً في جانب تدعيم الثورة، حتي قال لي أحد الشخصيات النافذة »أنت تسبب لهم قلق قبل الثورة وبعدها«. أما بالنسبة لدائرتي »شبرا الخيمة ثان«، فقد أصبحت ثلاث دوائر بعد انضمام شبرا الخيمة أول، والقناطر الخيرية، وأصبحت مليون ناخب، بعد أن كانت 002 ألف تقريباً، أي زادت خمسة أمثال، ولازلت مستقلاً ولم أنضم لأي حزب، فالمجلس العسكري والحكومة التي تشدقت بحماية المستقلين منعاً لعدم الدستورية، أقول لها: أين حمايتي في القانون المشبوه الذي أخذتم به »المختلط الذي يجمع بين القائمة والفردي«؟! لقد أجبرني قانونكم وخياركم الداعم لفلول الحزب الوطني، إلي مقاطعة انتخاباتكم، لأن تكلفة الدعاية فقط مليون جنيه، لا أستطيع أن أدفعها، وإلا فإن هدفي آنذاك لو دفعتها ولو توافرت، فهو أنني أصبحت من الفلول واللصوص وأصحاب المال، علي حين أنني موظف دولة خدمت وطني وسأظل أخدمه بوقتي وجهدي ومعي الشرفاء، والحمد لله، فعذراً لشعب مصر وأبناء دائرتي المحترمين، ومازال الحوار متصلاً.