إفريقيا تدفع الثمن مرتين.. الأولي حين اجتاح المستعمر أراضيها واستباح ثرواتها، والثانية بسبب السياسات الدولية الظالمة، التي حرمت دولها وشعوبها من التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي. الاستعمار لم يترك إفريقيا في سلام، وزرع في كل منطقة صراعات عرقية وطائفية، أسفرت حروباً ونزاعات، فزادت السيئ سوءًا، واستنزفت قطرات الدماء الباقية في العروق. إفريقيا زاخرة بالثروات الطبيعية والمعادن والبترول والمواد الخام، وأراضيها الشاسعة عطشي للتنمية، وشعوبها التي تتطلع إلي الحياة، تنتظر فرصتها العادلة للتخلص من الفقر والجوع والمرض. مصر تقدم لإفريقيا تجربتها، التي تعتمد علي عنصرين أساسيين: »الأمن» و»التنمية»، فالاستقرار هو الذي يجذب الاستثمارات، والسلام الذي تسعي إليه شعوب القارة العجوز، يضعها علي أول الطريق. لن يحدث ذلك إلا إذا تفهم المجتمع الدولي قضاياها، ولخصها الرئيس السيسي في لقائه مع أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو جوتيريش، علي هامش اجتماعات الاتحاد الإفريقي، بأن تعطي الأممالمتحدة الأولوية للوقاية من النزاعات وتحقيق استدامة السلام، وتفعيل المنظومة التنموية. مصر عادت إلي إفريقيا لتحقيق المصالح المشتركة، وثوابتها التي تحدث عنها الرئيس هي الحفاظ علي وحدة وسلامة الشعوب، وصون مقدرات الدول، ودعم المؤسسات الوطنية، حتي تستطيع إفريقيا مواجهة تحدياتها. اتفاقية التجارة الحرة التي تضم 49 دولة إفريقية، يجب أن تدخل حيز التنفيذ، لتحقق التكامل الاقتصادي، مثلما حدث بين مصر والسودان مؤخراً في مد شبكات الطرق البرية، والربط الكهربائي، وتكرار ذلك مع عدد من الدول. فرص الاستثمار في إفريقيا واعدة، وتتحسن الأوضاع الاقتصادية في دولها بشكل ملموس، جيبوتي حققت معدلات نمو 7% وكوت ديفوار 6.9% وتنزانيا 6.8%، وهي أعلي معدلات علي مستوي العالم، وبينما تنكمش اقتصاديات الدول المتقدمة، ترتفع المعدلات في الدول الإفريقية. في منتدي إفريقيا 2018 بشرم الشيخ، قال الرئيس السيسي »إن إفريقيا هي مستقبل الاقتصاد العالمي».. وهذا ما يفسر سباق الدول الكبري لأن يكون لها موطئ قدم في إفريقيا.. أمريكا والصين وأوروبا واليابان.. الكل يبحث عن الاستثمارات والتنمية. إفريقيا تحتاج مئات الآلاف من شباب المهندسين والأطباء والحرفيين، وكانت الملاحظة التي شدت انتباهي أثناء الرحلة من القاهرة إلي أديس أبابا، أن الطائرة ليس فيها مقعد واحد شاغر، ومعظمهم من شباب المهندسين، الذين لهم أعمال في الدول الإفريقية. إفريقيا تتغير، أديس أبابا - مثلاً - هذا العام ليست كالعام الماضي، ظهرت فيها الأسواق التجارية وبدأت ناطحات السحاب في طور الإنشاء تغزو شوارعها. إفريقيا أدركت أهمية مصر، وقدرتها علي مد جسور الثقة والتعاون، فكان اختيارها لرئاسة الاتحاد الإفريقي، تتويجاً لجهودها، وثمرة لما بذله الرئيس من جهد، حتي عادت العلاقات لعصرها الذهبي.