لا يغيب عن ذاكرتي من علمني حرفًا، فما بالك بمن علمني معشوقتي الصحافة، الأستاذ جلال الدين الحمامصي، استقبلني في امتحانات المقابلة الشخصية للإلتحاق بمعهد الإعلام بجامعة القاهرة، كنت بين زميلين محمد إيهاب عدلي كاسب، ومحمد حمدي عبد الرؤوف، الإثنان من عائلات معروفة، فالأول ابن الفنان القدير عدلي كاسب، بينما الثالث خاله وزير الحربية وقتها، وأنا من الأرياف، وعائلتي من فقراء مصر الكادحين، كانت اللجنة تضم بجانب الحمامصي كروان الإذاعة محمد فتحي، وعميد الإعلام الدكتور إبراهيم إمام، سألني الحمامصي إن كنت أحب الصحافة، قلت ما كنت تحملت مشقة السفر من قريتي إلي القاهرة وأداء الإمتحان التحريري الذي حصلت فيه علي 98 بالمائة، فقال لي إذن من أين يأتي الصحفي بأخباره، قلت علي الفور من مصادره وكانت هي جواز مروري للإلتحاق بالإعلام ودراسة الصحافة. أتذكر هذا اليوم لأنه أول لقائي بالأستاذ، والذي تشرفت بالتتلمذ علي يديه طوال دراستي بكلية الإعلام، وأيضا بعد عملي بالأخبار، عشت مع الأستاذ الكثير من طموحاته وأحلامه، اقتربت منه يوم فكر في التقدم للترشيح لانتخابات نقيب الصحفيين وسط أجواء تسيطر علي المهنة والنقابة أرواح حكومية بقبضة حديدية، كان يطمع بأن نعود إلي المهنة كرامتها، وأن يتم تصويب أخطائها، وقفت بجواره وكنت عضوًا بمجلس نقابة الصحفيين، ودعمته في مواجهة النقيب الموجود وقتها، لكن التكتلات الحكومية بالمؤسسات الصحفية كانت أقوي منه، ولم يحالفه الحظ، وهو من مؤسسي النقابة قبل ثورة 1952. جلال الحمامصي عنوان بارز في مهنة الصحافة، فقد أسس العديد من الصحف الناجحة، وكان من أوائل أساتذة الصحافة بمصر سواء بالجامعة الأمريكية أو القاهرة وغيرهما، رغم أنه خريج كلية الهندسة، وكان برلمانيًا وسياسيًا بارزًا خاصة قبل ثورة 1952، كما أنه مؤسس وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، وكان كاتبًا كبيرًا، صاحب أشهر عمود صحفي "دخان في الهواء "، اهتزت بكلماته حكومات ووزارات، هو صاحب مدرسة الصحافة المثالية التي أعشقها. دعاء : اللهم ارحم موتانا، واجعل قبورهم من رياض الجنة.