"إلى كل من حمل القلم وبلغ الأمانة" هكذا كانت دائما إهداءات الكاتب الكبير الراحل الذى تمر على ذكراه 27 سنة، فأى قلم وأى أمانة قصدها كاتبنا الكبير؟ لعل البعض من الأجيال الجديدة لا يدرى عنه شيئا. هذا الرجل كان من القلائل الشرفاء فى بلاط الصحافة ولطالما عانى من أجل دفاعه عن قضايا ه ومعاركه الصحفية. ولد الحمامصى عام 1913،وتخرج فى كلية الهندسة عام 1939. عشق الصحافة منذ الصبا ومع صديقى طفولته وجيرانه مصطفى وعلى أمين أطلقت جريدتهم الأولى فى المدرسة الإبتدائية، وكانوا يكتبونها بأيديهم ويبيعونها للطلاب بقروش زهيدة. من هذه الجريدة صارت أحلامهم حقيقة عندما تشارك الثلاثة فى تأسيس جريدة الأخبار التى تحولت فيما بعد لمؤسسة صحفية كبيرة رائدة فى مجالها. بدأ الحمامصى عمله فى الصحافة وهو طالب هندسة وظل بها حتى توفى فى عام 1988. علاقتى بالحمامصى بدأت دون أن ألتقى به، منذ طفولتى كان جميع من بالمدرسة من أساتذة يسألوننى هل أنت قريبة له؟ كنت أجيب بأنى من العائلة ، الإجابة التى تلقيتها من أسرتى، ولم أكن قد إلتقيت به من قبل. شاءت الظروف لأن أعمل كصحفية تحت التمرين بمجلة الشباب بالأهرام لفترة مع دراستى بالإعلام فى الثمانينات، وكانوا يسألوننى أيضا عنه. فى يوم رفعت سماعة الهاتف وقررت أن أحادثه تليفونيا، بسهولة رد علىَ، قلت له أنى من العائلة وأنى أتمنى أن أتعرف به. دعانى لزيارته بمكتبه بالأخبار، وذهبت إليه شعرت بقوة شخصيته منذ مصافحته لى ، كانت ملامح وجهه الأبوبة تحمل كل علامات النقاء والوقار.. سألنى ماذا أدرس وماذا أكتب، وسألته بعض النصائح، فنصحنى فى تحقيقاتى الصحفية أن أبدأ دائما بالشعب ثم المسؤل ثم أعود مرة أخرى للشعب لأنه الأصل، وهكذا بدأت علاقتى به، ولكنها لم تدم طويلا إذ فاجأه الموت بعدها بعامين تقريبا. عرفت الحمامصى جيدا من خلال رحلتى فى كتابى عنه، إلتقيت بأسرته وعرفت كم كان هذا الرجل أبا حنونا وزوجا صديقا، وإلتقيت ببعض زملائه وتلاميذه الذين يحملونه فى قلوبهم دائما بفضل ما علمهم من خبرات وتوجيهات. قرأت بعض كتبه، حوار وراء الأسوار، وأسوار وراء الحوار، القربة المقطوعة، وخضت معه على الورق معاركه ضد بعض كبار المسؤلين الذين يدعمون الفساد أو يتسببون فيه، عشت معه فى فترة حزنه عندما أبعد عن الصحافة 13عاما، بعد أن كانت أجزاء من مقالاته تحذف أحيانا فى عهد الرئيس السادات لإعتراضه على انتقاده فيها لبعض قرراته، فكان الحمامصى يطلب من رئيس تحرير الأخبار - التى كان يوما رئيسها- ألا ينشر المقال بعد الحذف كى لا يظهر مشوها. أنهيت كتابى عنه، شعرت لحظتها أن الحمامصى مات حينها ، وحزنت حزنا شديدا، بعدما قضيت نحو عام ونصف فى رحلة عمل كتابى عنه، شعرت أنى أعرفه من زمان، و بمدى الخسارة التى خسرتها مصر بفقدان هذا الكاتب الإنسان الذى لم يخط قلمه قط كلمة مداهنة، ذلك القلم الذى حمل رسالة الضمير الإنسانى اليقظ، وأمانة الكلمة الصادقة والرأى المستنير، وهى العبارة التى يهديها لكل من حمل القلم من كتاب، فكانت إهداءا ورسالة فى أعناقهم. نتذكر إنجازات هذا الكاتب الكبير من مساهماته فى تأسيس جريدة الأخبار، وكلية الإعلام ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وحملة مقالاته لسداد ديون مصر، ومقاومته للفساد. رحم الله ذلك الفارس النبيل.. أسير الصحافة المعشوقة التى كان يتألم لبعده عنها.