عزيزي القارئ، افتقدتك كثيرا في الآونة الأخيرة، وذلك لظروف صحية شديدة الوطأة توقفت فيها عن الكتابة. وما يحزنني حقا أني أعود إلي الكتابة إليكم، ليس بما يسر، ولكن بشكوي، والشكوي لغير الله مذلة. ونتيجة للوعكة الصحية الأخيرة والتي انتقلت علي إثرها إلي المستشفي حيث مكثت لعدة أيام حتي تحسنت حالتي والحمد لله. وعند عودتي إلي المنزل، قررت انتهاز فرصة وجودي خارج البيت -وهي فرصة نادرة الحدوث- وطلبت من ولدي أن يتمهل ويهدئ من سرعة السيارة، حتي اتأمل (حتتنا) أو منطقتي التي عشت في رحابها لأكثر من خمسين عاما. إلا أن ما رأيت هالني واصابني بالغم والحسرة، فعند دخولنا إلي شارع »أحمد كامل» والذي تحتضن ناصيته مبني محافظة الجيزة التاريخي، صدمني كم الفساد المتمثل في صورة مبان عملاقة حلت مكان الفيلات الجميلة، فقد كان هذا الشارع، وحتي عشر سنوات خلت، يطلق عليه شارع الفيلات. وأنا لا اعترض علي مسايرة العصر الحديث إلا أن ما يحدث هو تحايل علي القانون وفساد ورشوة من أجل تحقيق أكبر كسب مادي لأصحاب العقارات الجديدة. حيث اغتصب كل واحد من أصحاب هذه البنايات الجديدة نصف الرصيف. أما الطامة الكبري فهي في العمارة الملاصقة للفيلا التي اقطنها، تلك الأرض التي كانت -سابقا- قصرا تاريخيا عاش فيه علي فهمي باشا شقيق الزعيم مصطفي كامل والتي تم هدمها بالتحايل حيث استيقظنا صباح أحد الأيام علي صوت ارتطام وانهيار مفاجئ للقصر الذي شهدت علي متانة أساساته لجان هندسية عدة، إلي جانب كونه أثرا تاريخيا ممنوع هدمه. عودة مرة أخري إلي البناية الملاصقة لبيتي، حيث أسكن الدور الأرضي لفيلا المرحوم اللواء حمدالله عبدالوهاب، وعندما هالني ما رأيت من تجاوز، اخبرني ولدي انه لم يشأ ازعاجي بتلك الأمور وانه هو وورثة صاحب الفيلا قد تقدموا بأكثر من بلاغ وتم عمل أكثر من محضر رسمي أدي إلي وقف العمل في البناية أكثر من خمس مرات بعد اثبات الضرر الخاص والعام حيث قام أصحاب العقار بمعاودة البناء مرة أخري، رغم أنف الجميع ليس علي مائة بالمائة فقط من مساحة الأرض بل تجاوزوها إلي 120٪، حتي أن احد أعمدة الإنارة العامة بالشارع أصبح يقع ما بين شرفتين من شرفات المبني، راسما صورة للفساد في هذا الحي في ابشع أشكاله. عندئذ، تحاملت علي نفسي وقررت أن اكتب، رغم الوهن، لتكون هذه صرختي ضد الفساد الذي مازال ضاربا ومستمرا والواضح والذي يراه كل من لا يري ويسمعه كل من لا يسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير. اعتذر لاثقالي عليك عزيزي القارئ، وادعوا لي أن التقي بكم علي صفحات جريدتي الحبيبة في مناسبات أكثر تفاؤلا لي ولكم.