يوجد شبهة تقول: إنه يجب مخالفة السنة النبوية، والأخذ فقط من القرآن الكريم. الذي أريده هوإثباتات عكسية، وكيفية الرد علي أصحاب الشبهة المستشرقين، مع آيات قرآنية ومراجع للاعتماد عليها. وأرجوأن تكون الإجابة شاملة. ولكم جزيل الشكر. يجيب علي هذا السؤال د. أحمد الطيب شيخ الأزهر: القول بوجوب مخالفة السنة النبوية والأخذ بالقرآن فقط قول يُخرِج من الإسلام؛ لكون السنة النبوية أصلًا من أصول التشريع، وكونُها حُجَّةً أمر معلوم من الدين بالضرورة ومتفقٌ عليه من جميع المسلمين. والبُرهان القاطع علي أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم مباشرةً وأنها حجة تثبت بها الأحكام الشرعية، ويلزم المسلمُ العمل بما تكشفه وتدل عليه من أوامر ونواهٍ وتكاليف ما يلي: أولًا: عصمة النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الخطأ والسهوفي كل ما يبلغه عن الله تعالي، وهذا يستلزم بالضرورة أن كلَّ ما يبلغه من أخبار صادق ومطابق لما عند الله تعالي، فإذا قال في الحديث القدسي مثلًا: »قَالَ اللهُ كَذَا» فيجب قبول هذا الخبر والعمل به. والقرآن الكريم لا يُفهم فهمًا كاملًا بدون السنة التي تشرحه وتوضحه، بل السنة تعادل القرآن في أهميتها القصوي لهذا الدين، ولواستبعدنا السنة النبوية واقتصرنا علي القرآن الكريم فسوف ينهدم نصف هذا الدين أوأكثر منه؛ لأن أحكامًا تشريعية وتكاليف تفوق الحصر لم تثبت إلا من طريق السنة النبوية، وقد نبَّهَ النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي هذه الحقيقة فقال: »أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ ومِثلَهُ مَعَهُ» رواه الإمام أحمد، والمراد بالمثل الذي أوتيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي جوار القرآن في هذا الحديث هوالسنة النبوية، وقد ذكر العلماء أمثلة كثيرة لذلك؛ منها الأحاديث الشريفة: »الْبَيِّنَةُ عَلَي مَنِ ادَّعَي، وَالْيَمِينُ عَلَي مَنْ أَنْكَرَ»، و»بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَي خَمْسٍ...»، و»صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، و»خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، وهذه الأحاديث تنبني عليها عشرات الأحكام في العبادات والمعاملات، ولوجرينا مع هذا المنطق المقلوب واستبعدنا السنة كمصدر له حجيته في التشريع الإسلامي؛ فإن المسلم لا يدري كيف يُصلي، ولا كيف يصوم، ولا كيف يحج، ولا كيف يتزوج أويطلق، أويشتري أويبيع؛ لأن الذي جاء في القرآن هوالأمر بالصلوات والصلاة الوسطي، أما أحكام الصلاة بدءًا من تكبيرة الإحرام وانتهاء بالتسليم، وكذلك أوقاتها وشروطها وفرائضها ومستحباتها فكل ذلك لا أجده في القرآن لا علي سبيل الإجمال ولا التفصيل، وإنما تكفلت ببيانه السنة الصحيحة، وقل مثل ذلك في كل العبادات الأخري وفي كثير من أحكام المعاملات.وقد نبَّهنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم وحذرنا من هذه المقولة التي يُرددها المتربصون بهذا الدين والمستغلون للظروف؛ لتدمير قواعده وأسسه، وذلك في الحديث الشريف: »يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ منكم علي أَرِيكَتِهِ، يُحَدِّثُ بحديثي فيقول: بَيني وبينَكُم كِتابُ الله، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلنَاهُ، وَمَا وَجَدنَا فِيهِ حَرَامًا حرَّمنَاهُ، وإنَّ ما حَرَّمَ رسولُ الله كما حرَّمَ الله» رواه أحمد، وأنا أعد هذا الحديث من معجزاته صلي الله عليه وآله وسلم؛ لأنه صور في دقة بالغة ما يردده هؤلاء في وقتنا الحاضر. ثانيًا: القرآن الكريم مملوء بالآياتِ التي تدل دلالة قاطعة علي أنَّ السنة النبوية حجة الله علي خلقه في الدين، وأنها مُبيِّنة للقرآن وشارحة له، وسماها الحكمة، وذكرها مقترنة بالقرآن الكريم؛ منها قوله تعالي: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (البقرة: 151) ﴿يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (آل عمران: 164) ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ (البقرة: 231)، ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ (الأحزاب: 34)، بل يأمر القرآن بطاعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فيما يقول، مثل ما يأمر بطاعة الله تعالي، وذلك في آيات عديدة معلومة ومحفوظة عن ظهر قلب في القرآن. ومن أوضح وأجلي أدلة القرآن علي أن السنة حجةُ الله علي المؤمنين هذا الأمر الصريح في قوله تعالي: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7)، فهذه الآية نصٌّ في أن الرسول يأمر وينهي، وأن علي المؤمنين أن يلتزموا بتكاليفه. ثالثًا: السنة النبوية مثل قوله صلي الله عليه وآله وسلم: »تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» رواه الإمام مالك في »الموطأ»، وقوله في حديث آخر عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: قام فينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: »أَيَحسبُ أحدُكم مُتَّكِئًا عَلَي أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظنُّ يقولُ: إنَّ الله لم يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا القُرآنِ، أَلَا وَإنِّي -والله- قَدْ أمَرْتُ وَوعَظْتُ ونَهَيتُ عَن أَشْيَاءَ، إنَّها لَمِثلُ القُرآنِ أَوأَكْثَر» الحديث رواه أبوداود. والله سبحانه وتعالي أعلم.