راهنوا علي اختفائه، في غضون سنوات قلائل، وأكدوا أن الأجيال الجديدة ستنصرف عنه، وستزداد موجات الزهد فيه عامًا بعد آخر، ولكن وبعد مرور عقود علي الرهان، ثبت أن من قالوا باندثاره خسروا رهانهم، فالكتاب الورقي لايزال موجودًا، ومبيعات معارض الكتاب في شتي أنحاء العالم لم تتراجع بالشكل الحاد الذي توقعه المراهنون، وصحيح أن الوسائط الحديثة أثرت بصورة أو بأخري علي مكانة الكتاب الورقي كمصدر رئيسي للمعرفة والتجارب الإبداعية علي تنوعها، إلا أن ذلك لم يلغ دوره، ولم يدفعه إلي الانقراض، أو حتي التراجع المثير، فماذا نفعل كي نجذب الشباب إلي الكتاب المقروء في صورة ورقية؟، وكيف نجعله محببًا، لديهم، حتي لا يندثر، مما يؤثر حتمًا علي قضية المعرفة والارتباط بالثقافة، عدد من المعنيين حاولوا الإجابة. في البداية يقول محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب: حكاية أن الكتاب الورقي بدأ ينصرف عنه الشباب لا تصدق إلا في منطقتنا العربية، لأن القراءة ليست عادة أصيلة في مجتمعاتنا، بينما في الغرب رغم أحدث التقنيات، والوسائل المتاحة إلا أنه حسب الإحصائيات العالمية، الكتاب الورقي يزيد في عدد النسخ التي يتم طبعها من 10 إلي 12%، والكتاب »الإلكتروني» في أوروبا وإنجلترا وأمريكا بنسب إلي حد ما، يعادل 24 أو 26% في مقابل الكتاب الورقي، وأعتقد أننا نفتعل في منطقتنا العربية قضايا وهمية، لو أن لدينا طريقة نرسخ بها عادة القراءة من خلال المشروعات القومية، لتشجيع الأطفال وتحفيزهم علي القراءة فسيكون لدينا مجتمع قارئ، وهناك الآن مشروع طموح للشيخ محمد بن راشد في الإمارات، وهو تحدي القراءة الذي يشارك فيه طلاب المدارس علي مستوي الوطن العربي، والفائز يمنح جوائز مالية ضخمة، هذه هي المشروعات التي تؤدي إلي زيادة الإقبال علي القراءة، أما الناشرون العرب فلديهم مشكلة عدم زيادة النشر بسبب قلة المكتبات في المدارس، حيث لا توجد »ميزانيات» في مكتبات الكليات، ولا يوجد توسع في المكتبات العامة، وفي بعض الحالات يتم عن طريق »الآلات الرقمية» طباعة 100 نسخة ويكتب عليها طبعة أولي، وطبعة ثانية، لأن منافذ التوزيع قليلة، مشكلة الكتاب العربي تكمن في التوزيع، فهناك قارئ لدينا ولكن الجهات التي من المفترض أن توفر الكتاب بشكل مباشر وبدون أي تكلفة علي القارئ مثل المكتبات العامة لا توجد لها ميزانية، الكتاب الورقي سوف يصمد لأنه صمد منذ عام 1442، ومازال صامدًا، وسيظل. وللأديبة منال القاضي تجربة في هذا الصدد تحكي عنها قائلة: يجب علي المثقف أن يواكب العصر كي يتمكن من أداء دوره التنويري، لقد أصدرت 16 كتابًا بالإضافة إلي سلسلة »أفكار غيرت العالم» الموجهة إلي النشء، ورغم أن التوزيع جيد بفضل الله إلا أنني أصبحت أفكر في مصير الكتاب الورقي في ظل المتغيرات »التكنولوجية» وأصبحت أسأل نفسي كيف يمكن للمثقف أن يواكب ذلك، وعندي في اقتحام هذا المجال تجربتان، الأولي أنني قمت بإعادة كتابة ثلاث روايات لي باللغة الإنجليزية ونشرتها بالخارج، وهذه الروايات تم تقييمها كروايات كتبت بالإنجليزية، وليس بوصفها مترجمة، أما طريقة عرضها للقارئ فهي التجربة التي أود أن أتحدث عنها فكل منها معروض علي الموقع الشهير »أمازون» بصورتين ورقية و»إلكترونية»، وهناك يمكن للقارئ أن يطلع علي بضع صفحات من كل رواية قبل شرائها ولعرض الكتاب علي أمازون كما عرفت يجب أن تتوافر فيه معايير خاصة بالغلاف والبنط والمحتوي، أما التجربة الثانية فهي إطلاق برنامج علي »يوتيوب» يعني بنشر الثقافة النفسية، بوصفي طبيبة متخصصة اسمه »صحتك النفسية»، فهناك جيل كامل بات لا يشاهد التليفزيون ويستقي معلوماته من اليوتيوب، وتصفح »الشبكة» وهذا الجيل لن نستطيع كمثقفين التفاعل معه والتأثير فيه إذا لم نقتحمه، ونكون علي دراية بالوسائل التكنولوجية الحديثة وكيفية نشر الأفكار من خلالها، التعلم والمواكبة يحفظ للمثقف دوره، والتطور لا بديل عنه، فمن لا يتطور يموت وينقرض! أما الأديبة سعاد سليمان فتقول: الكتاب الورقي سيظل هو الأساس، وسيظل هناك الكثير من عشاقه، يمكن أن يكون هناك قطاع من الناس يلجأون إلي الوسائل الإلكترونية، ولكنهم في نظري لا يشكلون أرقامًا نخاف منها، وإذا نظرنا إلي الشباب الأجانب في »شرم الشيخ» و»الغردقة» فسنجدهم يقرأون الكتاب الورقي، نحن الذين نحب الحداثة، وفي رأيي أننا أمامنا خمسون عامًا لكي نخاف علي الكتاب الورقي، وهناك معلومة علمية تقول إن الإنسان لا يستطيع التركيز في سماع كتاب أكثر من 7 دقائق، بعد ذلك يفقد تركيزه، ويذهب إلي مكان آخر، ورأيي أن الكتاب الورقي سيحتفظ بمكانته لسنوات طويلة حتي أن ابنتي لا تستطيع القراءة إلا في الكتاب الورقي، وقد حاولت أكثر من مرة، ولكنها لم تستطع ولم تحب القراءة عبر الوسائط الإلكترونية تحتاج إلي خبرة معينة وطريقة للدخول إليها وغير ذلك مما لا يتوفر للجميع. وهم الاختفاء المزعوم! وتقول الروائية القاصة نهلة كرم: لا أعتقد أن الكتاب الورقي سيختفي علي المدي القريب، لأن كثيرين لايزالون يفضلونه علي »البي دي إف» والكتب المسموعة، ففي أحيان كثيرة يسألني قراء من خارج مصر عن كيفية حصولهم علي نسخة ورقية من كتاب لي، وحين أخبرهم أنه متوفر »بي دي إف» يخبرونني أنهم لا يحبون قراءته بهذه الطريقة، ومن ناحيتي كمؤلفة أتمني بالطبع أن يظل الكتاب الورقي موجودًا، لكن بصراحة بعيدًا عن الكتابة أتمني أن يجدوا وسيلة أخري للنشر لا تعتمد علي قطع الأشجار لإنتاج الأوراق. بينما تقول القاصة مريم حسين: لا شك أن الكتاب »الإلكتروني» أخذ حيزًا من مساحة الكتاب الورقي، كما أخذت الجرائد الإلكترونية حيزًا من مساحة الجرائد الورقية، ولكن في المقابل ظهرت منذ حوالي ثلاث أو أربع سنوات موضة القراءة وتزايدت أعداد الشباب والشابات الذين يظهرون في المواصلات العامة، وهم يمسكون كتبًا وينهمكون في قراءتها، ولعل السينما كانت دافعًا لذلك خصوصًا بعد فيلم الفيل الأزرق سواء اختلفت أو اتفقت مع أحمد مراد، وأعتقد أن تلك الموضة بدأت تتحول إلي عادة، وأن الشباب يكون شعورهم مختلفًا وهم يمسكون الهاتف، ويمارسون من خلاله كل حياتهم، في حين أنهم اكتشفوا عوالم خفية من خلال وسيط مختلف وهو الكتاب، أما كيف نستطيع أن نصل إلي الناس فيمكن عن طريق تخفيض أسعار الكتب التي ارتفعت أسعارها جدًا، ويجب أن يكون للدولة دور في مسألة النشر، وعلينا أن نعمل علي التوزيع في المحافظات، وعدم الاقتصار علي القاهرة والمدن الكبري.