هل تكتمل فرحة الشعب المصري؟!

أتمني أن أقدم التحية لأعضاء المجلس العسكري فردا فردا عقب انتهاء مهمتهم التاريخية بتسليم السلطة إلي المدنيين، عقب إتمام إجراء الانتخابات البرلمانية، وتشكيل لجنة إعداد الدستور، وانتخاب رئيس الجمهورية، والالتزام بما أعلنه المجلس عند توليه المسئولية، من أنها ستة أشهر أو إجراء الانتخابات.
وبما أن الأشهر الستة قد انتهت في 13 من أغسطس الماضي دون أن نتمكن من إجراء الانتخابات، فليس لنا إلا الانتظار حتي استكمال بناء أهم مؤسسات الوطن وهي مجلس الشعب وإعداد الدستور ورئيس منتخب لأول مرة في تاريخ البلاد.
مخاوفي تزداد من حجم وقوة وشراسة الضغوط التي يتعرض لها المجلس العسكري، سواء الداخلية أو الخارجية، لمنعه من استكمال بناء المسار الديمقراطي الذي وعد به، وإبقاء البلاد تتأرجح في حالة من الفوضي والانفلات الأمني والمغامرات السياسية وعدم الاستقرار، ولكن في المقابل أري تأكيدا مستمرا من المجلس العسكري يدفعني إلي الاطمئنان قليلا، بالحرص علي احترام إرادة الشعب، وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، وترك السلطة للمدنيين في أقرب وقت.
بكل تأكيد هناك قوي وتيارات سياسية داخلية لا تريد أن يصل الوطن إلي بر الأمان، أو أن يكتمل بناء مؤسسات الدولة علي أساس ديمقراطي حر، وهي نفس القوي والتيارات التي تقف خلف استمرار حالة الفوضي الأمنية والسياسية التي تحدث الآن، وتدفع لاستمرار الاعتصامات والتظاهرات والعبث الذي يجري الآن، بعد أن ضغطت كثيرا ولا تزال من أجل تأجيل الانتخابات، وإطالة أمد المرحلة الانتقالية، وحرمان الشعب المصري من حقه الطبيعي في ممارسة الديمقراطية.
وبكل تأكيد أيضا هناك قوي خارجية، إقليمية ودولية تساندها أجهزة مخابرات عالمية، وعلي رأسها الكيان الصهيوني الغاصب والولايات المتحدة الأمريكية، تريد استمرار حالة الفوضي وعدم الاستقرار في البلاد إلي أطول فترة ممكنة، لأن مصر الضعيفة المنهارة أكثر استجابة للضغوط والإملاءات، وأكثر ارتباكا في التعامل مع قضايا الأمن القومي المصري والعربي، وأكثر ضعفا في مواجهة القضايا والمشكلات والأزمات الداخلية، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية.
ولا شك في أن الأحداث الماضية التي بدأت في ميدان العباسية قبل شهرين، وبلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي، فيما سمي زورا وبهتانا ب "جمعة تصحيح المسار"، لكنها رغم ضعفها حاولت الانحراف بمسار الثورة البيضاء، إلي التخريب وإتلاف السيارات والممتلكات الخاصة، ومحاولة اقتحام مبني وزارة الداخلية وإحراق بعض ملحقاته، ثم اقتحام فوضوي غير مبرر لمبني سفارة الاحتلال في القاهرة، كل هذا يصب في نفس الاتجاه الذي تريده هذه القوي الداخلية والخارجية.
وربما يتصور بعض هؤلاء المغامرين، الذين ينفقون المال ويحشدون الغوغاء ويستخدمون البلطجية، أن إثارة التوتر والاحتقان بين القوات المسلحة، ممثلة في المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد، وبين جموع الشعب المصري، أو بين الشرطة والشعب من خلال الإحساس بعدم الأمان، ربما يدفع إلي اتخاذ قرارات حادة وعنيفة، تعصف برغبة الشعب في إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وتؤجل المسار الديمقراطي إلي أجل غير مسمي، هؤلاء لا يدركون تاريخ ومكانة مصر.
وأعتقد أن القرار الذي ينتظره كافة أبناء الشعب المصري الآن، بعد تأكيد المجلس العسكري علي احترام إرادة الأمة، وعدم القفز علي اختياراتها، أن يتم الإسراع بالإعلان النهائي، وفق جدول زمني واضح، عن موعد فتح باب الترشيح وإجراء الانتخابات البرلمانية، وعقد أولي جلسات مجلسي الشعب والشوري الجديدين، ومن ثم تشكيل لجنة إعداد الدستور، وكذلك الإعلان عن موعد إجراء انتخابات الرئاسة، وبذلك نقطع الطريق أمام هذه القوي، التي تضغط لمنع ذلك أو تأجيله لأطول فترة.