الصبر ألوان وأنواع، فمنه الصبر الإيجابي، وهو صبر الرضا المصحوب بالأخذ بالأسباب للخروج من دائرة الضعف إلي دائرة القوة، أو الخروج من دائرة السقم إلي دائرة الصحة، أو من دائرة الفقر إلي دائرة الغني، فقد يبتلي الإنسان في صحته فيصبر، غير أن صبر الرضا لا يحول بينه وبين الأخذ بأسباب التداوي والشفاء والعافية، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »نعم، يا عباد الله تدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ» (رواه الترمذي). وقد يبتلي الإنسان بضيق ذات اليد فيصبر صبر الراضين لا صبر الساخطين ولا صبر العاجزين، إنما يعمل ويعمل ليغير من حاله، فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ، ويقول اللهم ارزقني وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فديننا دين العمل والإنتاج والإتقان والإبداع والابتكار، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: »إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» (الكهف :30) وجاء لفظ (عملا) نكرة للعموم والشمول، فيجب علي الإنسان أن يحسن عمله وأن يتقنه وأن يجوده سواء أكان من أعمال الدنيا أم من أعمال الآخرة، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): »ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» (صحيح البخاري)، ويقول (صلي الله عليه وسلم): »لأن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه» (متفق عليه)، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »الساعي علي الأَرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار» (صحيح البخاري). ومن أهم ألوان الصبر: الصبر عند البلاء، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: »وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» (البقرة : 155-156)، ويقول (عز وجل): »إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر : 10)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَي إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» (رواه الترمذي). علي أن الصبر الحقيقي هو ما يكون عند الصدمة الأولي أو عند نزول المصيبة، ذلك أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قد مرَّ علي امرأة تبكي عند قبر فقال (صلي الله عليه وسلم) : »اتقي الله واصبري» ، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي (صلي الله عليه وسلم) فأتت باب النبي (صلي الله عليه وسلم) فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: »إنما الصبر عند الصدمة الأولي»(متفق عليه). وإذا كان الإنسان سيصبر سيصبر، فليؤثر صبر الرضا وهو الصبر الذي لا شكوي ولا ضجر ولا سخط معه، لا صبر العجز واليأس والإحباط، يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز: »مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَي السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ» (الحج :15). وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : » الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَي النَّاسُ عَلَي قَدْرِ دِينِهِمْ، فَمَنْ ثَخُنَ دِينُهُ، اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بَلاؤُهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيُصِيبَهُ الْبَلاءُ حَتَّي يَمْشِيَ فِي النَّاسِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »َمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». علي أن الصبر الإيجابي من أهم سبل التمكين حيث يقول الحق سبحانه : »وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» ، علي أننا في تغيير أحوالنا لسنا مطالبين بمجرد الصبر، بل بالصبر الجميل، وبالمصابرة التي هي أعلي درجات الصبر، حيث يقول الحق سبحانه: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، والمصابرة مفاعلة تقع بين طرفين وفيها مقاومة، والمعني: واجهوا صبر عدوكم بصبر يغلب صبره، حيث يقول الحق سبحانه: »إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»، ومن معاني المصابرة أيضًا : غالبوا صبر الشيطان علي محاولات إغوائكم بصبر في طاعة الله يغلب صبره علي إغوائكم.