تحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل والسراح الجميل، والصبر الجميل هو الذي لا ضجر معه، يقول الحق سبحانه علي لسان سيدنا يعقوب عليه السلام : »فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَي مَا تَصِفُونَ»، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ»، والهجر الجميل هو الذي لا أذي معه حيث يقول الحق سبحانه : »وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا»، والسراح الجميل هو الذي لا عضل ولا ظلم للمرأة معه، حيث يقول الحق سبحانه : »وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا». وكما تحدث القرآن الكريم عن الصبر تحدث عن المصابرة، فقال سبحانه : »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، والمصابرة مفاعلة تقع بين طرفين وفيها مقاومة، والمعني : واجهوا صبر عدوكم بصبر يغلب صبره، حيث يقول الحق سبحانه : »إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»، ومن معاني المصابرة - أيضًا - : غالبوا صبر الشيطان علي محاولات إغوائكم بصبر في طاعة الله يغلب صبره علي إغوائكم. علي أن عاقبة الصبر عافية في الدنيا ورحمة ورضا من الله (عز وجل) في الآخرة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : »إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ»، ويقول سبحانه : »وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًي وَلاَ غَمٍّ، حَتَّي الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ)». والصبر سبيل التمكين حيث يقول الحق سبحانه : »وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ». ومن أهم ألوان الصبر : الصبر علي البلاء، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : »الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَي النَّاسُ عَلَي قَدْرِ دِينِهِمْ، فَمَنْ ثَخُنَ دِينُهُ، اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بَلاؤُهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيُصِيبَهُ الْبَلاءُ حَتَّي يَمْشِيَ فِي النَّاسِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »َمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». وعن أبي موسي الأشعريّ (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم) قال : ( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلائِكَتِهِ: » قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ»، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم)، قال: »يقول الله تعالي: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة»، وعن أمّ سلمة (رضي الله عنها) أنّها قالت: سمعت رسول الله (صلّي الله عليه وسلّم) يقول:»ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، اللهمّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتي يلقي الله تعالي وما عليه خطيئة». علي أن من علامة قوة الصبر وتأصله في نفس الإنسان مدي قدرته علي تحمل الصدمات وامتصاصها أول وقوعها، فقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلي الله عليه وسلم) بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فقَالَ لَهَا : (اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي). فَقَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي - قَالَ - وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلي الله عليه وسلم) فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ فَأَتَتْ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ (صلي الله عليه وسلم) فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكَ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلي الله عليه وسلم) : »إنَّما الصَّبرُ عند الصَّدمةِ الأُولَي».