هناك أشخاص ابتلاهم الله بالشدائد والكروب، وآخرون أراد تمحيصهم بالأسقام والأوجاع، فهذا مريض فقد صحته، وآخر حار في معرفة مرضه وفَهْم علته، وثالث خارت قواه وزالت بشاشته، وهم -مع ذلك- ذاكرون لله شاكرون له، وصابرون محتسبون. فلنتأمل معا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" [رواه مسلم]، فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمة حرمانُهُ شفاؤُهُ، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]. إن البلاء عنوان المحبة فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" [رواه الترمذي]؛ فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبرًا عليها كانت علامة خير ومحبة. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرًا عجّل له العقوبة في الدنيا" [رواه الترمذي]. ومن تأمَّل سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام -وهم من أحبِّ الخلق إلى الله- وجد البلاء طريقهم، والشدة والمرض ديدنهم، دخل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- على الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكًا شديدًا، قال صلى الله عليه وسلم: "أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.." [متفق عليه]، وسأله سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أي الناس أشد بلاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حُسْن دينه، فإن كان دينه صُلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة اُبتُلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" [رواه الترمذي]. إن البلاء هو طريق الجنة وإن الأمراض والأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده؛ امتحانًا لصبرهم، وتمحيصًا لإيمانهم بل هي -لمن وفق لحسن التأمل والتدبر- نعمة عظيمة توجب الشكر، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155- 157]، فأي فضل بعد صلوات الرب ورحمته وهداه؟ وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة" [رواه الترمذي]. وأتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي، فقال: "إن شئت صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئت دعوتُ اللهَ أن يعافيَكِ"، فقالت: أصبرُ.. [متفق عليه]. أخي المبتلى لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما يزال الله تعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة فَلِمَ الحزن إذن؟! لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر