ما لم تستطع جحافل الغزاة أن تفعله، تحاول الأفكار المسمومة، و»غسيل المخ» المغرض تحقيقه عبر التشكيك في كل الأشياء، وإطلاق سحابات الغيم علي المشهد برمته، فلا تستطيع العيون إلا تبين ملامح جزء ضئيل من الصورة، مما يصنع وعيًا ناقصًا وإدراكًا للأمور زائفًا، وفي جنح الضباب تنتشر الأوهام، ويسود التخبط وانعدام الوزن، وذلك بالضبط ما يستهدف الخصوم تحقيقه، إنها محاولة للتسلل إلي الداخل، في قلب العرين، حيث يجد الفرد العادي نفسه فريسة لأوهام الخصم، تتلاعب به وكأنه »ريشة» في مهب رياح عاتية، فلا جذور له، لأن الوعي الحقيقي غائب، ولا أقدام تحمل الكيان، لأن الإدراك مريض، فكيف نسلح الملايين بأقوي عدة وهي الوعي الحقيقي الراسخ؟ وكيف نبث في الأذهان حيوية الفهم العميق، وأصالة الرؤية المكتملة؟ وما دور المفكرين والأدباء في تحقيق ذلك خاصة وأن الوطن يخوض معركة مصير وهو يبث الوعي الحقيقي في ضمائر الملايين من أبنائه، عدد من المفكرين والأدباء أجابوا عن هذه الأسئلة عبر هذا التحقيق. في البداية يقول الناقد الكبير والمترجم القدير د. محمد عناني: الأدباء يحملون مسئولية في مخاطبة جيل الشباب من خلال أعمالهم، ومسئولية الأديب مضاعفة ومزدوجة وهي ما يكتبونه وما يترجمونه، والعمل المنهجي الصحيح في الترجمة لم يعد كما كان، فالرواد أدوا دورهم ولكن الأجيال المتلاحقة لم يؤدوا دورهم كما يجب، مثلًا رواية الحرب والسلام هي من الروايات العظيمة التي تجعل من يقرأها يتعلم كيف يحب وطنه، تمت ترجمة الجزء الأول منها ولكن الجزء الثاني لا نعرف إذا كان قد ترجم أم لا، فلم يعد هناك اهتمام بالترجمة والمترجمات، ولكننا نحاول فهناك أعمال كثيرة تقدس الوطن ترجمتها سابقًا، وها أنا ذا أعمل علي إعادة طباعتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم، أما بالنسبة إلي تشجيع الشباب علي القراءة يجب أن تكون هناك جائزة للشباب في مجال الأدب والنقد، وقد تكون النتائج غير مبهرة نظرًا لإغفال الجامعات ومناهجها للأدب، فلابد أن تشارك وزارات: الثقافة، والتربية والتعليم العالي في دورات تدريبية منظمة في الكتابة الإبداعية والنقدية، وشباب الجامعات لديه من الوقت والحماس ما يجعله يقبل علي هذه الدورات خصوصًا إذا ما كافأناهم، إما عن طريق طبع أعمالهم، أو جوائز نقدية قيمة، أو تنظيم ندوات لهم مع كبار الأدباء. في حين يقول الأديب الكبير د. نبيل فاروق: هناك في كل جيش نقطة تسمي الشئون المعنوية، ونحن كأدباء بالنسبة إلي مجتمعنا نشبهها ونلعب دورها بكتاباتنا، حيث يكون الأديب هو الأقدر علي الظهور كمصدر للثقة، وشرح الخفي وراء ما يشاهدون، فنحن الآن نعايش حروب الجيل الرابع، وهي حروب من نوع آخر خادعة، ليست بالدبابات والطائرات وإنما بالقذف بالمعلومات المغلوطة التي تهدم الوعي، فالشباب يحتاجون في هذه الفترة لمثل أعلي، وذلك يتم بكل الطرق المتاحة قد يكون من خلال إبداعاتهم بشكل ضمني، ولكن هذه الطريقة الضمنية قد لا تصل إلي كل الناس فلماذا لا نقيم الندوات؟ فالعالم الآن اختلف وأصبح مثل لعبة الشطرنج، وبمجرد تصديق الشاب لأنه في حرب فعلًا، يبدأ تكوين وعيه. حب الأوطان ويقول الشاعر الجنوبي الكبير جميل عبد الرحمن: لابد من إتاحة فرصة للأصوات الجادة من الأدباء والشعراء للإحتكاك بالسواد الأعظم من الشباب، فالأديب يستطيع أن يوصل إحساسه بالإنتماء للوطن، فالرسول صل الله عليه وسلم، عندما هاجر من موطنه مكة إلي المدينة وقف ودمعت عيناه وقال إني أعلم أنك أحب أرض الله إلي الله، وأنك أحب أرض الله إلي، ولولا أن أخرجني أهلك، ما خرجت، وطبعًا نحن لنا في رسول الله أسوة، ولنا في السلف الصالح أيضًا، أسوة حسنة، فالتاريخ القديم قدم لنا عرابي وسعد زغلول ومحمد فريد وناصر والسادات، وكلهم عناصر تعتمل داخل الوطنية والحب المستميت للوطن، كما أشار جميل عبد الرحمن لأهمية زيارة المدارس وتوعية الأطفال، ليشبوا علي الثقافة وتأصيل حبها في نفوسهم، لاسيما وأن وسائل التواصل الاجتماعي سلبت الشباب لبه. أما الشاعرة المتميزة د. شيرين العدوي فتقول: تقع علي الأديب عدة مسئوليات أولها الكتابة الجادة، لأن الكتابة الجادة هي التي تشكل الوعي لدي الشباب، والكتابة الهزلية التي تحتوي علي إبداع حقيقي تساعد في تنبيههم، لابد للأدباء أن يلتقوا بالشباب من آن إلي آخر في الجامعات والمدارس، لمناقشتهم فيما يشغل ذهنهم في المجتمع، وأيضًا يجب استثمار وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الشباب علي الطريقة التي يحبونها، فقد تغير كلمة من أديب فكرة لدي القارئ الشاب، وتتساءل شيرين: لماذا لا يدمج الشباب والأطفال في العملية السياسية، وهذا يجعلهم يشعرون بالإنتماء وأنهم من يصنعون القرار. ضبط المنظومة الإعلامية ويقول الروائي الكبير أحمد فريد: يجب أن تعود مؤسسة السينما لإنتاج أفلام تبعث رسائل تحتوي علي مبادئ شريفة ومسائل إنسانية محترمة من خلال أعمال الأدباء، والذي ينطبق علي السينما ينطبق علي التليفزيون بالطبع، فالتليفزيون هو الأقرب، كان هناك قبل وقت طويل برامج هادفة جدًا وممتعة، وهي الترفيهية التي تحتوي علي التعليم بشكل غير مباشر، وطالب فريد بعودة وزارة الإعلام لضبط المنظومة الإعلامية حتي لا تحتوي علي كلام مغلوط أو هدم مأجور، ويجب أن تهتم وزارة الثقافة بقصور الثقافة، وجذب الشباب بالعروض المسرحية وما يحبون، وتتبني مواهبهم، أما المدارس والجامعات فلابد أن تحتوي علي أنشطة مثل المسرح، والملاعب الرياضية كي يفرغوا فيها طاقتهم حتي لا ينحرفوا وينحدروا. وتقول الشاعرة د. هويدا عطا: إقامة الندوات والمحاضرات التي تناقش أفكارا بناءة ومثمرة، ونشر فكرة معينة إيجابية والعمل عليها، ومحاولة تطبيقها ومشاركة الشباب اهتماماتهم، حتي يشاركونا ما نقوله ونطرحه عليهم بشكل فعال، والدورات التدريبية أيضًا، فعمود أية دولة هو الشباب، لذا يجب توظيفهم بشكل مناسب حتي وإن كان بسيطًا، مثلًا، لنزرع شجرة، ننظف حيًا، ثم نتوسع، لنستصلح الصحراء. الوعي يصنع رؤية بيمنا تقول الروائية المتميزة ضحي عاصي: يقع علي الأدباء دور كبير جدًا في صناعة الوعي الحقيقي، فالكتابة التي تحتوي علي روح الانتماء تتسرب بشكل تلقائي إلي القارئ، فتؤثر علي مشاعره وفكره، وتكون وعيه، في الكتابات القديمة أحببنا كلنا الحارة المصرية والنموذج الشعبي المقدم في أغلب الأعمال الأدبية، بمعني أنه إذا كان الكاتب أمينًا مع النماذج المصرية التي يقدمها في الكتابة، صنع وعيًا لدي الناس، والوعي يخلق رؤية، والرؤية تصنع قدرة علي التعامل، حتي مع النماذج التي تكون سلبية، لأن عرضها ليس من باب الكره وإنما من باب الكشف بغاية الإصلاح. وفي الختام تقول الشاعرة والناقدة د. كاميليا عبد الفتاح: أن توجه الكتابة نفسها، أو جزءًا منها علي الأقل إلي الشباب، هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الخطاب فيجب مراعاة المرحلة الشبابية ومتطلباتها، وهذا ليس معناه الإبتذال، ولكن فقط مراعاة طبيعة الجيل الذي لم ينشأ علي قراءة البلاغة، وغيرها من تراث اللغة، فاللغة العربية في الأصل تستطيع استيعاب كل العقول فلم الإبتذال، كما يجب مواجهة الشائعات التي تحاول النيل من البلد، ولابد من التأكيد علي أهمية وقيمة الشباب، فالشاب يشعر بأنه ليس عليه التعويل للنهوض بالبلد، غير أن الشباب مستهلك الآن من القنوات غير الهادفة والأفلام المبتذلة، التي عملت علي إهتزاز كلمات مقدسة داخلهم مثل »الوطن، والرسالة، والمسئولية...» فأصبحوا يتساءلون عن قيمة هذه الكلمات، وهل هي ستصير عبئاً علي خطواتهم نحو المستقبل؟، كما يجب الاهتمام أيضًا، بالندوات، فهي الحل، قصور الثقافة يجب أن تنشط، ويجب أن يكون الخطاب علي مستوي فكر الشباب، ويعتمد علي الحوار وليس الوعظ، وأقصد بالندوات والاجتماعات مع الشباب أن نسير علي غرار مؤتمر الشباب الذي يقيمه الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو مثال لاستيعاب الشباب وفكرهم. وأعتقد أنه آن الأوان للدولة أن تدعم قناة الشباب وأن تكون تحت إشرافها.