رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد نبيل: نعيش قليلا ونعرف أقل فلماذا لا نتخيل أكثر؟!
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 11 - 2015

يحضر أحمد نبيل عبر نصوص كتابه "ديموديه" (شرقيات، 2015)، ككاتب يعي تماما ما يصنعه. بداية من عنوان المجموعة، مرورا بشكلها وبناء السرد بها، كما يجد القارئ الطريقة التي يقدم بها نبيل مساحة كانت طرفاً حيويا بالمدينة في التسعينيات، بحي "عين شمس" الأقرب لحدود العاصمة، بينما صار الآن هذا المكان مُهملا، رغم كونه أسفل حركة الطائرات المحلقة من المطار.
يتجول القارئ بين النصوص وقد صار خاضعاً لبيئة الكتاب السردية، حيث يقسم الكتاب إلي قسمين، كل واحد منهما يأتي في شكل وجه لشريط كاسيت، بينما كل نص معنون بأغنية تنتمي للذوق الموسيقي المحيط بالكاتب خلال هذه الفترة. فيصبح القارئ أمام شريط موسيقي يكتبه أحمد، الذي يسرد عبر هذا "الألبوم" زمناً ولي. طفولة سرعان ما تتحول إلي حياة فنية، عبر الحيل التنكرية، وخيالات طفل يسمع إيقاع عصره، شريط الكاسيت الدائر في التسعينات، حينما كان كل أبناء هذه الفترة تحت تأثير سحر شرائط التسجيل المُجمعة، لكن هذا السحر تحول لموضة قديمة، لا أحد يمارسها الآن، حيث صارت كل الشرائط وسيطا لا يستخدمه أحد، وهو ما يذكرنا بعنوان المجموعة المكتوب بالفرنسية: "ديموديه".. أي موضة قديمة.
يضم وجها الكتاب، إذا صح هذا التعبير، قصصا منسوبة لأغنيات غناها الشاب خالد، محمد فوزي، علي الحجار، ماجدة الرومي، أم كلثوم، نتاشا أطلس، ناظم الغزالي، إديث بياف، فيروز، جين كيلي، وهشام عباس ومصطفي قمر كذلك.
سبق وأن صدر للكاتب روايتان "خيط واحد للدانتيل" (المحروسة، 2007) و"شوارع ديسمبر" (بيت الياسمين، 2011)، وحاز جائزة ساويرس في فرع السيناريو عام 2009، ويقول نبيل :" كنتُ معتادا علي سماع ما كان يسمعه أخي الأكبر وأصدقاؤه، لهذا كنت الطفل الغريب، الذي يسمع أغنيات الكبار، ويؤسس ويقود فرقة مسرحية من الأطفال". يتذكر القارئ الموسيقي، الكلمات، والأخطر ما تحمله كل أغنية من ذكريات، مثل مشهد موسيقي "ماكرينا" الراقصة وهي تنساب من السيارات في شوارع التسعينيات، بمنطقة جسر السويس، كخلفية صوتية وبصرية لمشهد الأولاد وقد تنكروا في زي الفتيات وقد دهنت وجوههن بأصباغ المكياج، لتبدأ الحيل الفنية في هذا العمل المميز، وإلي نص الحوار..
لنتحدث عن دور الكاتب في الكتاب، نظرتك أنت لموقعك؟ أنت الراوي، دائما في جميع النصوص كان الراوي، مثلا، في قصة "مفترق الطرق" يروي/ يحكي لنا عن أطفال شكلوا فرقة مسرحية، كان هو مؤسسها ومخرجها، وكيف تطوّرت الحياة بأعضاء هذه الفرقة لهذه المآسي.. ما دور الراوي، وكيف تري علاقة هذه الحكاية وتقاطعها مع الحياة؟
كان ذِكر اسمي في نهاية النص الأول ليمهد أن الكاتب متورط بشكل ما، وأنها سيرة بشكل ما كذلك..وقد حاولت أن أتحرك في المسافة بين الاثنين. أكثر ما توقفت أمامه عندما كتبت قصة "مفترق الطرق" كان وعيي برفاق الطفولة، هو وعي كاتب أكثر منه بإدراكي الحقيقي لما حدث لهم في الواقع. كنت منفصلاً عن حياتهم وتطوراتها، و لم ألاحظ ذلك إلا عندما كتبت. أذكر أن فكرة تأسيس فرقة مسرحية من جانب مجموعة من الأطفال قد تمت مقابلته من الناس، وأهلنا، بشكل من السخرية، لكن ما حدث لأفراد هذه الفرقة في الواقع كان أغرب بكثير من مسرحيات الطفولة. ومن ناحية أخري كنت قد بدأت أكتب وأنا أفكر في شكل مجموعة قصصية بها حس السيرة، لتكون 27 نصا، يعبر الواحد منها عن سنة من عمري، وقتها، لكن في النهاية تراجعت عن هذا التصوّر، فنشرت 14 نصاً، حتي تكون متماسكة، أما استخدام الأغاني فكان حاضرا من البداية، وهو ما شجعني علي وضع شكل الألبوم/ الشريط، حيث كنت قد حددت المواضيع وارتباطها بأغاني محددة.
نص مثل "الشتاء يدق البيبان"، مستوحي من الأغنية الشهيرة بالتأكيد، لكنه مكثف للغاية، أقرب لفيلم قصير، هل قصدت ذلك، وبالنسبة للمكان، ركزت علي الكتابة حول منطقة شرق القاهرة وميدان روكسي تحديداً، هل تراها معبرة عن هذه الفترة من التسعينيات ومجدها؟
هذه المنطقة، روكسي - مصر الجديدة، وتحديدا مقهي وحديقة غرناطة، عندي الانطباع بأنها المكان الأنسب للتعبير عن هذا الزمن، حيث تعبر عن جو خاص، وقد اكتشفت أن هذا لم يكن مرتبطا بجيلي أنا فقط، لكن الناشر حسني سليمان، صاحب دار شرقيات، حكي لي أنه كان يتردد علي هذا المكانا، وأن مكان مثل "غرناطة" كان يقام به ندوات، أي أن له تاريخه الثقافي.. وكنت أريد أن أجرب في هذا النص الكتابة عن هذا المكان وتاريخه، وبالتأكيد ذكرياتي وأنا طفل صغير حينما كنت أذهب مع أخي في لقاء غرامي له مع البنت التي كان يحبها وقتها. في النص يتغير قرار الطفل ثلاث مرات، قصدت ذلك لأنني لا أحب أن أحدد كل شيء للقارئ، أريده أن يتفاعل، دون أن يفقد الموضوع عفويته.
لنتحدث عن الشكل، مثلا البناء لديك محكم للغاية. رؤية صارمة للموضوع. ألبوم دقيق، يقع في وجهين، كل وجه يحمل أغنية؟ بالتأكيد تتوقع أن أسألك السؤال المعتاد لماذا لم تفكر أن تكون رواية ؟
كان أول عنوان لهذه الكتابة "الأغاني". لم أقصد هذه الأغاني كبداية، بل كنت أختار ما يصلح استخدامه أي لأسباب فنية. لكن لم أعد سماعها مرة جديدة وأنا أكتب. "سكة العاشقين" (كلمات سامح العجمي، غناء مصطفي قمر، تلحين حميد الشاعري) أذكر فقط أنها كانت موضة العام 1994. في طفولتي كنت أسمع أغاني الأكبر سنا، وحينما كبرت بدأت أعيد اكتشاف التسعينيات عبر موسيقاها وقد وجدت أن هذا الشكل سيفتح لي بابا للتعددية. ستتغير وظيفة الأغنية كل مرة، موازية للقصة، أو حتي تسخر منها ..هناك نص لثلاثة يصنعون أغنية هي "مكتوب"، هذه الأغنية مؤلفة بالكامل. كنت سأجد صعوبة في التعامل مع بعض النصوص لو كانت رواية، نص مثل "منقلبة" كيف كنت سأتعامل معه لو كان داخل بناء رواية.
لماذا فكرت في تأليف أغنية "مكتوب"؟ كنت قد شعرت أنها موجودة بالفعل، شككت لدرجة أن بدأت بالبحث عنها!
أغنية "مكتوب" مؤلفة بالكامل، وفكرت أن أعبر عن هذا الجو، الزمن عبر أغنية، كما أردت أن أوضح مع هذا النص أن القسم / الوجه الآخر يختلف عن الأول، لا توجد ألعاب هنا و لا خفة كذلك. يبدأ الوجه الثاني بنص "مكتوب" حتي يكون الأمر واضحاً أن هذا القسم ثقيل بعض الشيء وكئيب حتي تترك الكتاب إذا لم تكن مهتما بهذه النوعية من الكتابة، بينما حافظت علي أن يكون عنوان كل نص أغنية ماعدا نص "طريق الليسيه"، مثلا، أغنيته "طريق الليسي" للشاب خالد، غناها 1974 لكن عدّلته ليكون أكثر تناغما، وهذا النص يبدأ خفيفاً بتناول محاولات الهروب الدائم من المدرسة، وبعد ذلك حدث مثل حفلة التنكر، وكأنه شكل آخر من الهروب أو تغيير صيغة التواجد، لم أكن منتبها لذلك، لكن في النهاية كان وجود الناس في "مفترق الطرق" مفتاحا لفهم الكتاب. التنكر من الممكن أن يكون مدخلا لفهمي للفن بشكل عام، بدأت في كتابة رواية جديدة، وتدور بالكامل حول فكرة التنكر.
تهدي الكتاب لراحلين حنفي الفيل وخالد الأبيض، حيث يتقاطع نصان مع هذين الغائبين، نص "منقلبة" مستوحي من ألبوم لنتاشا أطلس بالعنوان نفسه، وفيه توظيف لافت لفكرة تناسخ الأرواح ، والنص الآخر "يا ليل" تلجأ لحيلة ولادة النهار من الليل، كيف توصلت لهذه المعالجة؟ ولنفترض أن من سيقرأ من المقربين لهما، وأحدهما أخوك، سيعرف يفك هذه الشفرات، ويحلل الدلالات والحيل كيف تعاملت مع كل هذه المخاوف؟
كنت أفكر طول الوقت بكيفية التعامل مع الشخصيات الغائبة، وأميل لأن يكون ذلك من خلال الفانتازيا، ووجدت في الأدب براحا أكبر. لا توجد رقابة أو مشاكل إنتاجية مثلا. حاليا أعمل علي رواية جديدة سيكون بها مساحة جنس كبيرة من المستحيل أن تعالج بشكل سينمائي وإنما سأعمل عليها كنص أدبي. كنت أعرف اثنين يحبان الأغاني، محمود وخالد (الفيل والأبيض)، هم ليسا متشابهين، الأول ملائكي، والآخر العكس تماما، لكن المفاجأة / الصدمة كانت موتهما في الوقت نفسه تقريبا. في لحظة واحدة عشت تأثير كل من الموت البطيء والمفاجئ كذلك، ووجدت أن الفرق بينهما لا يهم. ولأنهما هما من عرفاني علي أغلب ما أسمع من موسيقي بدأت الأغاني تتحول لأداة تعذيب، خاصة أن الاثنين تركا لي تركة محترمة ومؤلمة في الوقت نفسه. في نص "يا ليل" مثلا لجأتُ لفكرة المجاز، بين الليل والنهار، للتعبير، أما في "منقلبة" كان الأمر أكثر صعوبة، لم أكن أعرف محمود مثلما عرفت خالد أخي..لهذا حاولت ألا أختار الحيّل الفنية بمفردي، استعنت بنصائح أصدقاء. النصان هما الأثقل في كل وجه، الموت الذي يفضي إلي حياة. في "يا ليل" الموضوع قاتم، بينما يحمل "منقلبة" تأويلين التحول والموت ..أقصد الانقلاب. وكل وجه تغلب عليه سمة، الآخر ثقل وكآبة، بينما الأول ليس كئيباً هو الأخف. فكرة بورخس، مثلا، وتناسخ الأرواح مستوحاة من عوالم السينمائي والصديق الراحل محمود فرج، فقد حاولت أن أعبّر عن العالم الداخلي وإبراز خصوصيته، وليس عن طريق السيرة أو الحياة الخارجية له، لكن مشكلتي مع "ليل"، ورغم الفلسفة القائم عليها هذا النص، لازلت خائفا أنه موضوع شخصي، وأن القارئ لن يراه كما أراه أنا ككاتب.
أنت تكتب السيناريو، المسرحيات، قصص، رواية كذلك.. أين تجد نفسك؟
الأدب هو همي الأول، أنت تكون مهتما بكافة التفاصيل، ولا تتركه إلا إذا كنت راضيا عنه، علي العكس من العمل الجماعي، سبق أن قمت بإخراج مسرحية، العرض كان جيداً، كان قائما علي المزج بين الحركة والحوار، والموسيقي والأغاني، مشهد حركي وآخر تمثيلي، لكن مع الوقت يقل طموح المشاركين، بالطبع هم يعملون في وقت الفراغ، لكن كان دائما يأتي وقت والناس يفتر حماسهما، وهذه المشكلة في العمل الجماعي، لتشعر بالامتنان إذا حضر أحد من المشاركين بالأساس. أما السيناريو فهو "شغلي"، لكن مشكلة السينما دائما - المساومات، يقال لك لم تقدم أعمالا، فتكون فريسة فيقال لك العمل جيد لكن ليس هذا وقته أو أنه غير مناسب.
في نصي "أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي"، و"سكة العاشقين" تتحدث عن أن العشاق يعرفون أنهم سيتألمون، لكنهم مع ذلك يستمرون.. وهذا ما يدفعني لسؤالك لماذا تكتب أنت حكايات الحب رغم ذلك ؟
كان للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني رأي متطرف في مسألة الحب. فقد كان يؤمن باستحالة التواصل بين البشر. أتفق معه إلي حد كبير. إذا تعاملنا مع الحب بوصفه شكلا من أشكال العلاقات الإنسانية التي يحكمها سوء الفهم. الحب مسألة وقت والمشاعر عموما خاضعة لتقلبات الزمن. الراوي في سكة العاشقين يهجر حبيبته في المقطع الأول. وفي المقطع الثاني تهجره حبيبة أخري. ثم يأتي المقطع الأخير ليقدم أربعة حكايات عن عشاق آخرين. وكأن الراوي يضع يده في النهاية علي سوء فهم أكبر من حدود تجربته. العشاق يتألمون ولكنهم يواصلون بحثهم عن الحب. ونجد أن مصطلح (اشتهاء التوتر) في علم النفس خير دليل علي ذلك. فالأمر غير مقصور علي الحب، وإنما الشغف الذي يحكم علاقتنا بالأشياء. في كتاب الفن والغرابة للدكتور شاكر عبد الحميد نجد أمثلة رائعة لعلاقة المبدع بذلك الشغف يصل إلي حد اشتهاء التوتر والأرق وصناعة أشباحه الخاصة التي يجعل منها وقود فنه. الطريف أن معظم قصص الحب التي وردت في سكة العاشقين تعكس تجارب حقيقية تنبأت بنجاحها علي الورق لكنها انتهت بالفشل علي أرض الواقع.
تلك كرامات أنطونيوني. أما فكرة أي شيء في العيد أهدي إليك مستوحاة من الأغنية نفسها. لم يجد الشاعر ما يقدمه لمحبوبته فاكتفي بالغناء. وكأنه عثر علي إجابة سؤاله فأصبحت الأغنية هديته المسكوت عنها. وكأن الغناء هو هدية الحياة لنا كذلك. يقول كامل التلمساني إن العالم الحقيقي الوحيد هو الذي نصنعه داخل أنفسنا، لذلك أري أن هذه القصة رغم بساطتها فإنها أكثر قصة تعبر عن منطق المجموعة ومغزاها العام. نحن نعيش قليلا ونعرف قليلا فلنتخيل علي الأقل.
واستطرد: "لكنهم يشعرون كأفراد أنهم أدوا ما عليهم، ويشعرون أيضا - أن هناك جهدا علي مؤسسات الدولة يجب أن تقوم به، من جانبنا في (أخبار الأدب) وفرنا لهم كل فرص النشر، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من البيت، بل هم ركن أصيل لا يمكن أن نتخيل (أخبار الأدب) وهي خالية من إبداعاتهم وإسهاماتهم، فللحقيقة والتاريخ منذ اللحظات الأولي لتأسيس الجريدة كان من أحد الهموم الأساسية لمؤسسها الأديب الكبير الراحل جمال الغيطاني، أن تكون منبرا للمترجمين من كافة اللغات، وأن تحتل الترجمة مكانها المستحق في الثقافة المصرية، وليس سرا أن أقول أن الغيطاني وجريدته كانا من أهم الأسباب لتحويل مشروع الترجمة من مجرد كونها إحدي فعاليات المجلس الأعلي للثقافة، إلي أن يكون مؤسسة قائمة بذاتها، وهي المركز القومي للترجمة".
ثم اختتم الطاهر مؤكدا: "ها نحن نجتمع اليوم لكي نضع الجميع أمام مسئولياته، فقد سعينا إلي أن نبلور عبر الشهور الماضية رؤي عدد من المترجمين الفاعلين في الحياة الثقافية، من أجل أن نصدر وثيقة أخبار الأدب للترجمة، وفي هذه اللحظة أبوح بكلمة؛ أنه لولا ثقتي في أن حلمي النمنم وزير الثقافة - مع حفظ الألقاب - جاد في إعادة تشكيل المشهد الثقافي، وهو ملم به منذ عقود طويلة، لما أقدمت علي هذه الخطوة التي تحتم علي وزير الثقافة أن يتخذ خطوات سريعة، نابعة من تصورات مجموعة من أمهر وأبدع من أنجبهم هذا الوطن".
أثناء إدارتها للندوة، سردت دينا مندور موقفا وقع أثناء حضورها أحد المؤتمرات عن إشكاليات الترجمة في فرنسا عام 2011، فقال رئيس جمعية المترجمين الأدبيين هناك في كلمته أن المترجم كائن خاص جدا، لأنه إنسان يقف علي الحدود بين ثقافتين، فطلبت حينها الكلمة لتقول رأيها بأن المترجم لا يقف فقط علي الحدود وإنما يختزن ثقافتين، واجتهاد المترجم الأدبي علي نفسه طوال الوقت يتلخص في ذلك من وجهة نظرها، وتوضح: "معيار المترجم الناجح يتحدد بما يحققه من خطوات لكي يتقدم علي نفس الطريق، وكم يجيد اختزان وهضم الثقافتين، لذلك الترجمة مهنة شديدة الخصوصية، والمترجم كذلك إنسان شديد الخصوصية في تكوينه، ولذلك فالمترجم أحيانا يكون جيدا جدا في التعامل مع النصوص واختيارها والتعامل مع الثقافتين، ولكنه عندما يصطدم بالعملية البيروقراطية التي تتعلق بالشق الثاني من إنتاج الكتاب تبدأ مشاكله".
شكر وتقدير
قبل الاستماع لمشاكل المترجمين المختلفة وحديثهم، تدخل حلمي النمنم ليؤكد أنه رغم كونه ابن مؤسسة دار الهلال، ولكن مؤسسة أخبار اليوم لها فضل كبير عليه، لأنه تعلم منها كثيرا في السياسة والأدب: "منذ الصغر كنت قارئا جيدا لأخبار اليوم، وأتذكر منذ سنوات بعيدة حينما كنت في الصف الأول الإعدادي، بدأت أخبار اليوم في نشر "لا" للأستاذ مصطفي أمين، و"صاحب الجلالة الحب" و"سنة أولي حب"، هذه الروايات الثلاث اللاتي أتمني إعادة قراءتهم، لم يكونوا أعمالا أدبية فقط، وإنما مدرسة في السياسة".
ثم انتقل بالحديث إلي أخبار الأدب علي وجه الخصوص، فقال: "عندما كنا في مجلة المصور كان الجيل القديم يقول علينا حرفيا (شوية العيال اللي مكرم جايبهم)، ولكن فجأة عندما بدأت أخبار اليوم تؤسس لأخبار الأدب فوجئت بأني كنت أحد الأسماء المرشحة لرئاسة تحريرها، لم يحدث ذلك ولكني اعتبرت وقتها أن هذا تقدير واعتراف من مؤسسة أخبار اليوم، وقد أثر ذلك علي عملي ووجودي وكياني في المؤسسة، ثم بعد ذلك عندما بدأت حملة الحسبة، كانت قاسية جدا ورُفع عليّ حينها 96 قضية في يوم واحد بمختلف أنحاء مصر من أسوان إلي الإسكندرية، كانت النجدة الحقيقية مؤسسة أخبار اليوم وموقف رئيس تحريرها ورئيس مجلس الإدارة آنذاك الأستاذ إبراهيم سعدة وموقف كل الشباب فيها".
واستكمل النمنم: "في عام 1995 بافتتاح معرض الكتاب، تناقشت مع السيد رئيس الجمهورية حسني مبارك حول عدد من القضايا، في اليوم التالي فوجئنا بتجاهل جميع الصحف لهذا الموقف نهائيا، وكانت جريدة الأخبار الوحيدة التي نشرت كلامي من خلال ياسر رزق الذي وضع مانشيت حينها (حلمي النمنم يسأل الرئيس مبارك)، ثم بعد ثورة يناير عندما كنت رئيس مجلس إدارة دار الهلال ودخلنا في مواجهة عاصفة وكان الأستاذ ياسر هو رئيس تحرير الأخبار، كان واضحا العصف بنا جميعا، شهدنا أياما لن أقول صعبة أو قاسية، ولكننا كنا علي المحك، ليس في المستقبل المهني فقط وإنما في حياتنا بشكل عام، كنا مهددين في حياتنا الشخصية، وأشهد أن الأخبار ورزق تحديدا كانا المعين لي دائما، حتي بعدما حكم الإخوان حين أصدرت كتابي "حسن البنا الذي لا يعرفه أحد"، علمت أن أخبار الأدب في لحظة ما قررت أن تصدر عددا للرد علي هذا الكتاب، وعرفت حينها أن هناك اثنين وقفا ضد ذلك، هما الصديقان طارق الطاهر ومحمد شعير، وأنا شخصيا ممتن لهما حتي الآن، لأني رأيت في ذلك موقفا ليس مع حلمي النمنم وإنما موقف مع الوطن ومصر ومستقبلها".
مشكلات الترجمة المتعددة
أنهي النمنم حديثه معبرا عن رغبته في الاستماع إلي المترجمين واستعداده التام للتوصل إلي حلول لمشاكلهم، بدأ العرض أحمد صلاح الدين، الذي اعتبر نفسه مترجما بالميلاد، لأنه منذ صغره وهو شغوف باللغة ودراسة لغات جديدة: "أعمل في الترجمة منذ 23 عام، تعاملت مع معظم المؤسسات الدولية، وعملت فترة طويلة في مشروعات متنوعة، كنا دائما نعاني من النقص في القواميس اللغوية، خاصة عندما كنا نحاول مع بدء انتشار التكنولوجيا أن ننقلها للدول العربية، بالنسبة لي الترجمة هي الأساس وقد درستها أكاديميا، ولكنني مغرم بها قبل ذلك، وعانيت كثيرا من المشاكل علي مدار السنوات الماضية، منها علي سبيل المثال أنه يتم التعامل مع المترجم بشكل لا يليق به، كأن يتعامل معه من يطلب الترجمة باعتباره يبيع سلعة بدون أي معايير، وقد اقترحت من قبل أن يكون هناك تعاقد معياري في جهة ما، ومن يريد التعاقد مع مترجم يحصل عليه أولا، الشيء الثاني هو الحصول علي المقابل ورحلة العذاب التي تسبقه، حتي في التعامل مع الجهات الرسمية، من المفترض أن المترجم شخص تقوم حياته علي الدخل الذي يحصل عليه من الترجمة، عندما يعمل علي مدار عام وينتظر أن يسلم الكتاب وبعدها يبدأ رحلة للحصول علي النقود، كيف سيعيش؟".
وأضاف صلاح الدين: "كل المهن لها نقابات ما عدا المترجمين، ليست هناك آلية عمل محددة بحيث تضع تعريف وصفة للمترجم، نجد أحيانا شخصا لديه شبه لغة ويعد مترجما، فمن أعطاه تلك الصفة وعلي أي أساس، أنا شخصيا أعرف مترجما له 50 كتابا وتعامل مع كافة الجهات الرسمية ومر منهم جميعا، عندما جلست معه في مناقشة لغوية اكتشفت أنه لا يعرف قواعد اللغة الإنجليزية التي يترجم منها وفي النهاية أخبرني أنه لم يدرسها، رغم أنه في يوما ما كان عضوا في لجنة الترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة، الشيء الآخر أننا ليس لدينا معيار جودة للحكم علي مستوي الترجمة، فالعالم كله يتعامل مع الترجمة وفق عوامل أيزو محددة، مقسمة لعناصر مختلفة تحدد إن كان العمل جيدا أم سيئا، فإدارة المشروع في الترجمة لا تعني أن يترجم أي شخص ما يريد ثم يعرضه علي جهة لإصداره، دون معايير لاختيار العناوين والمترجمين".
أوضح أحمد صلاح مشكلة أخري تتعلق بالمراجعة التي تضبط النص: "مهما كانت أهمية العمل وندرة اللغة لابد من مراجعة الأصل ولابد من وجود حدود للتعامل مع الترجمة من لغة وسيطة، لأن لكل لغة قواعدها، بالإضافة إلي مشكلة الالتزام في التوجه، كالتركيز علي الأدب اللاتيني مثلا وإهمال الآداب الأخري، فالمعرفة هي القوة الناعمة التي تبني عليها العلاقات بين الشعوب وفكرة التواصل بين الشعوب تلعب فيها الترجمة دورا كبيرا، لذلك من الضروري وجود استراتيجية عامة تخص الدولة في مسألة الترجمة تحدد الهدف منها، ونعمل جميعا لتنفيذها، ولابد أيضا من وجود آلية لضبط الترجمة والتعامل مع المترجمين في القطاع الخاص الذي يهين العملية والمترجم والعمل".
أما فيما يخص الأدب الروسي، فأكد صلاح أن لديه مشروعه الخاص الذي أصدر منه كتاب "ورثة تالستوي" كمحاولة لكسر الحاجز بيننا وبين الأدب الروسي بصفة عامة، بتقديم مجموعة من الأدباء الجدد الذين يكتبون بمستوي رائع جدا يكاد يفوق جيل الأساتذة: "أتمني أن نحافظ علي التوازن في التوجه حتي نقدم للناس ما يحتاجونه، ومهم جدا التعامل مع روسيا بصفة عامة وثقافتها بصفة خاصة باحترام وتقدير، وفي النهاية أود أن أقدم الشكر لجريدة أخبار الأدب، التي كانت بالنسبة لي نافذة علي الحياة، حيث أتاح لي طارق الطاهر فرصة للتعبير عن ذاتي وأفكاري".
مركز ترجمة
اضطر ياسر رزق لمغادرة النقاش ولكنه قبل ذلك أطلق مبادرة لإنشاء مركز ترجمة، ليس من الإنجليزية والفرنسية، ولكن أيضا الروسية والأسبانية والألمانية والإيطالية، لأننا لا نصل لوجهة النظر الأخري، وكل ما يأتينا يكون عن طريق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.