بحضور الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، والكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة، وطارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب وأسرة التحرير، تقام في الخامسة من مساء اليوم مائدة مستديرة تديرها المترجمة دينا مندور، ويشارك فيها عدد من شباب المترجمين، وذلك من أجل بلورة " وثيقة أخبار الأدب للترجمة" تطرح فيها خريطة للمستقبل، اعتمادا علي الرؤي التي سبق أن طرحها نخبة من المترجمين من خلال الحملة التي تبنتها الجريدة علي مدار أكثر من شهرين، راصدة واقع الترجمة وإشكالياتها، وقدمت من خلالها- أيضا- عددا من شباب المترجمين، ممن لهم بصمات واضحة تحدثوا عن تجاربهم وآمالهم، وستستمر الجريدة في تقديم المزيد والمزيد من هؤلاء المترجمين. ومن أجل أن تنتهي الحملة بأهداف واضحة، تقام المائدة المستديرة بحضور وزير الثقافة الذي سيناقش مجموعة من الأفكار والرؤي المحددة، ويعلن إطلاق الوثيقة. صدر للمترجم مارك جمال كتاب واحد، "النسيان"، للكاتب الكولومبي هيكتور فاسيولنسي، عن دار العربي. غير أنه يعمل الآن في عدة مشاريع للترجمة من البرتغالية للعربية. يقول جمال إنه لا يعرف إن كان توجهه للترجمه كان قرارًا أم أنه محاولة للاستجابة لهواجسه الخاصة المرتبطة باللغة، أو اللغات الأجنبية. استجابة لاشباع فضول، كما يقول. يعتقد جمال أن اللغة تشبه "صندوق باندورا"، يقول:"كلما فتحته انفتح العالم أمامك، عالم خاص بكل ثقافته وحضارته وعاداته"، من هنا "تعتبر اللغة مفتاحا لعلاقة أعمق بالثقافة". الهاجس الثاني الذي دفع جمال للترجمة هو "الصعوبة التي تواجهني في التعبير عن النفس. أعتقد أن لدينا جميعًا صعوبات، لكنني أحس بها طول الوقت، ومع الوقت يزداد وعيي بها، لدرجة أنها تمنعني أحيانًا من الحديث". يري مارك جمال أنه ما من تعريف جامع مانع للترجمة، ويري أنها ببساطة عملية تقديم لثقافة أخري في غير لغتها الأصلية، وبالتالي، يقول جمال، لابد أن يكون المترجم ملمًا بلغته الأم كما يكون ملمًا باللغة التي يترجم عنها، إلي جانب معرفته بالثقافة الأخري بالضرورة. من هنا، يعترض جمال علي فكرة المترجم الناقل، إذ المترجم، في رأيه، يجب ان يبحث ليتوصل لما يخفيه النص من ثقافة، ليس فقط علي مستوي اللغة، بل ما هو أبعد من ذلك، أي المستوي الثقافي والمفاهيمي. بهذه الطريقة، يمكن مقاربة النص. الصعوبات التي يمكن أن تواجه المترجم، برأي جمال، صعوبات معرفية أكثر منها لغوية، إذ تؤدي الامكانيات المعرفية المحدودة إلي كوارث في الترجمة خاصة في النصوص المحمّلة بإحالات ثقافية، احالات لها معني عند القاريء الاجنبي دون أن يتوافر نفس المعني عند القاريء العربي. كتاب "النسيان" الذي حقق نجاحًا كبيرًا في كولومبيا وأمريكا اللاتينية، ووصل للقائمة القصيرة في جائزة المركز القومي للترجمة، كان الكتاب الأول الذي ترجمه مارك جمال. يقول:"قرأت الكتاب في مرحلة تغير علي المستوي الشخصي والعام، فلمسني وأحببت ان أشارك فيه القراء"، يضيف:"أعتقد أن الكتاب اختارني علي نحو ما". يري جمال ان الكتاب يستعصي علي التصنيف، إذ يجمع ما بين الرواية والسيرة الذاتية، وإن كانت مساحة السيرة أكبر. يقول:"كنت أري أهمية أن يوجد في المكتبة العربية. لو كان بقدرتي أن أقول شيئًا، سيكون ما جاء بكتاب النسيان". يذكر مارك جمال ما قاله الكاتب البيروفي الشهير ماريو بارجاس يوسا عن "النسيان"، إذ لا غني عنه لفهم صعوبة تصنيفه. يقول يوسا: "محاولة تلخيص "النسيان" دون خيانته أمرٌ في غاية الصعوبة، إذ إنه، وعلي غرار روائع الكتب جميعًا، أشياء كثيرة في ذات الوقت. فمن الصحيح أن نقول إنها سيرة ينفطر لها القلب تدور حول عائلة المؤلف ووالده، الذي اغتيل علي يد قاتل مأجور، إلّا أنه قولٌ تافه هزيل، لأن الكتاب إلي جانب ذلك، يغوص بنا في رحلة مؤثرة إلي جحيم العنف السياسي الكولومبي، في حياة مدينة ميديين وروحها، في طقوس أسرة، وصغائرها، وحميميتها، ونبلها. إنها شهادة مرهفة ودقيقة عن الحبّ الأبوي، قصة حقيقية إلي جانب كونها رواية بديعة، بالأخذ في الاعتبار أسلوب كتابتها وبنائها، وواحدة من أبلغ الحجج المناهضة للإرهاب، بوصفه أداة للعمل السياسي، التي كُتبت في عصرنا وفي كل العصور». يؤكد مارك جمال أن انحيازه للكتاب لم يكن فقط لبعده السياسي، بل أيضًا لبعده الجمالي. يقول "انحزت للحزن السامي الذي غلف قصة مارتا، أخت الكاتب، واغتيال دكتور جوميث، أبيه. وللرسائل الإنسانية التي وصّلها لي دون مباشرة أو تلقين". يضيف جمال أن ثمة مشكلة ثقافية تتعلق ب "الفن الهادف"، ويري أنه "ليس هناك أصلًا فن هادف، لأن الهدف والفن لا يجتمعان، وليس مهمة الفن توصيل رسالة سياسية، أو تعليم القراء الصح والخطأ". لكن، ربما لا يكون هادفًا بهذا المعني، ربما يكون "الفن الملتزم"؟ يرد جمال: "مفرقتش خالص"، ويوضح:"عندما أقرأ لماركيز أو لبورخس، ماذا يجب أن ألتزم به؟ ما الذي يقدمه لي كلاهما من التزام؟". بناء علي ذلك، يختار مارك جمال الأعمال التي يترجمها، لا ينفي أن "النسيان" احتوي علي أفكار سياسية، لكنها مجرد دافع إضافي، يقول. واجه مارك جمال العديد من المشاكل في ترجمة كتاب "النسيان"، بعضها خاص باللغة، وبعضها خاص بالأحداث. يقول:"أحداث الكتاب تدور في سياق مختلف سياسيا ودينيا واجتماعيا، وكانت الصعوبة في أن أوصل بعض المفاهيم غير المألوفة للقارئ العربي، مثل المصطلحات المرتبطة بالكاثوليكية. لاحظ أيضًا أن أغلب المسيحيين في مصر أرثوذوكس. هنا كنت أبحث عن حلول لمصطلحات خاصة بالتدرج الكنسي والطقوس والمناسبات الدينية. مثلا: في فقرة كان يتكلم باستفاضة وإسهاب عن الأدوات والملابس المستخدمة خلال القداس الإلهي. وكان ضروريًا أن ألجأ لبعض الرسوم التوضيحية لأعرف المقابل تحديدا. أضف إلي ذلك الاختلافات الثقافية، مثل الأطباق والأكلات الكولومبية". الصعوبات يمكن مواجهتها أيضًا عبر الهوامش، وهذا ما فعله مارك في الدرافت الأول للترجمة، لكنه آثر بعد ذلك الاستعاضة عن بعضها بإضافة كلمة في النص ليبقي المعني واضحًا. نشر مارك كتابه الأول مع دار العربي، ولديه مشروعات أخري مع دور أخري خاصة أيضًا. يقول:"تجربتي مع دار الكرمة كانت عظيمة، لأنها تقوم علي الحرفية والالتزام والكفاءة، لكن مع دور أخري كانت مؤسفة، دون ذكر أسماء" وكيف تري المؤسسات الحكومية؟ يقول:"بدأت الاتفاق مع إحداها لترجمة كتاب، وكان تواصلًا مبشرًا"، ويضيف:"بصفتي قاريء قبل أي شيء أقدر المركز القومي وسلسلة الجوائز ومشروع المائة كتاب. أما كمترجم، فلا يمكنني الحكم عليها قبل التعامل معها وفهم آليات النشر والعقود". يري جمال أن المطلوب من دور النشر الخاصة الأخذ في الاعتبار أن المترجم مهما كان حبه وشغفه بالترجمة، فمن حقه أن يتقاضي أجرًا عن عمله، هذا الأجر أيضًا نوع من التقدير. و»أري أن العقود مع الدور الخاصة ينقصها العدل«. مؤسسة الترجمة تميل في أحيان كثيرة إلي الاعتماد علي اختيارات المترجم، كيف يري مارك ذلك؟ أميل ايضًا لاختيارات المترجم، يقول. "أعتقد أن المترجم يحسن عندما يكون العمل من اختياره وليس مكلفًا به، لذلك أنا اترجم ما أحب، وما يعرض علي أري أولا إن كان عملا يجذبني أم لا".