يُمثل الارتكان إلي تدعيم النشء ثقافيا أهم وسائل مكافحة التطرف والإرهاب، ولذلك علي الخبراء الذين يقومون بتطوير المناهج الدراسية الانتباه إلي ضرورة التركيز علي المواد العلمية التي تعمل علي تمكين الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا.. البحث في كيفية ذلك في هذا التحقيق: المنهج الوسطي يؤكد د.أشرف عطية البدويهي، نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الأزهر الشريف منذ بزوغ فجره كان منارة للعلم والعلماء بما يتسم به منهجه من سمات الوسطية والتسامح والدعوة إلي الإخاء ونبذ العنف والتطرف، ولأجل ذلك كان دومًا محط أنظار الجميع علي مستوي العالم، حاول الكثير التقرب منه لينهل من معينه الرائق وحاولت بعض الفئات التي لا نجد لها موضعًا إلا علي هامش التاريخ لكونها لا تزن شيئًا في علم الأزهر ولا نوره، حاولوا النيل منه بتوجيه طعنات غير نافذة لمنهجه ووسطيته مدعين أنه يحمل بين طياته فكرًا متطرفًا تتخذ منه الفئات التي تنشر العنف والخراب بين الناس منبعًا يستقون منه، ولكن هيهات أن ينالوا من أزهرنا الشريف ومن منهجه وعلومه وعلمائه. ويضيف د. أشرف أن مناهج الأزهر خرجت وتخرج وسوف تخرج المسلم الملتزم بالإسلام الوسطي عقيدة وفكرا وسلوكا وقبولا وتعايشًا وسلاما مع الآخر، وهذا ما تحقق ويتحقق دوما في مصر والعالم العربي والإسلامي بل في العالم كله، وهي التي حثت علي قيمة الوطن والمواطنة، إن مناهج الأزهر هي التي تحث علي الوطنية وروح الإخاء وقبول الآخر والتعايش بين أبناء البلد الواحد لا فرق بين فرد وآخر فالجميع إخوة تحت سماء واحدة، ويجب علي الجميع العلم بأنه يلزم التفرقة بين المناهج التي تدرس لأجيال النشء وبين المناهج المتخصصة التي تدرس للكبار في الجامعات والتي يدرسون فيها كتب التراث ليعرفوا ماضيهم كيف كان ويستفيدوا منه في حاضرهم ومستقبلهم، فإن العلوم التي تدرس بين أروقة الجامعة من علوم شرعية ليست كلها صالحة لأن يطلع عليها العوام ، فكل إنسان يخاطب علي قدره، وإذا عرفنا ذلك فسيلتزم كل إنسان بما له وما عليه ويعطي كل ذي حق حقه. تعليم المواطنة وتشير د. إيمان هريدي، أستاذ تطوير المناهج ووكيل كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إلي أن ترسيخ قيم المواطنة وتنفيذ آلياتها من خلال المناهج التعليمية يعالج الكثير من المشكلات المجتمعية ويسد العديد من الفجوات التي تظهر علي الساحتين: القومية، والعالمية. وتضيف أن قيم المواطنة تزرع وتنمي في نفوس الأطفال من خلال الأنشطة الطلابية، وتعلم الفنون وإتاحة مساحات من الحرية لإبداء الرأي، حتي وإن كان مختلفا، وتعلم فنون الحوار والتفاوض، وتعلم مهارات التفكير بكل أنواعه؛ ولدفع العملية التعليمية بخطي أسرع لترسيخ المواطنة ينبغي تضافر كل مؤسسات الدولة لتطبيق هذه الآليات وتحويل مفهوم المواطنة إلي ممارسة عملية، حتي تتحول إلي شريان حياة في نفوس أبنائنا، كما يجب أن يتضمن ما يدرسه الطالب قيم المواطنة وتطبيقاتها، بداية من منهج اللغة العربية وهي الممثل الأول للقومية والدرع الواقية لها، ومرورا بمنهج التربية القومية، والتاريخ والجغرافيا، والعلوم، والرياضيات، والفنون، والموسيقي، وجميع الأنشطة التعليمية التعلمية التي يمارسها الطفل داخل المدرسة وخارجها. وتوضح د. هريدي أنه لكي يستطيع الإنسان الحفاظ علي فكرة التوازن بين المواطنة القومية والمواطنة العالمية يجب العمل علي ترسيخ فكرة المواطنة والهوية القومية لجميع أبناء الوطن الواحد. ولن يتم هذا الترسيخ إلا من مرحلة الطفولة، ومن خلال منظومة تربوية محكمة تهدف إلي بناء وطن قوي، بمفهوم الدولة المستقلة المتقدمة، فالتعامل التربوي مع مفهوم المواطنة يأخذ دلالة أكثر وضوحا في سياق كافة المؤسسات التربوية بالإضافة إلي المؤسسات التي تتعاون معها وتتكامل لتحقيق هدف بناء مواطن مصري عالمي، من خلال وطن واحد ودولة قوية، ومن ثم تحقيق السلام العالمي. وتظهر آليات ترسيخ المواطنة في تنمية مهارات التفكير، والقيم، والسلوكيات الإيجابية، وتوفير نماذج القدوة، وإبراز الاتجاهات الإيجابية، وتوسيع المعارف والخبرات لدي الأطفال والطلاب في المناهج التعليمية وفي المدرسة وخارجها. واجب مقدس د. أمين أبوبكر، أستاذ المناهج بجامعة 6 أكتوبر يشير إلي أن الحفاظ علي الهوية الوطنية والدفاع عنها واجب وحق في الوقت نفسه، بل قضية أمن قومي؛ ومن ثم يستلزم علي كل ذي عقل وولاء أن يعَضَّ بالنواجذ علي ثقافة بلاده، وأن يحافظ علي هويتها الوطنية، فإن لم يفعل فقد هويته، وانتماءاته، بل وجذوره الموغلة في أحقاب الماضي، وما يربطه بوطنه في وقت تلوح في الآفاق فيه حملات التغريب، والتشتيت، والتهميش. ويضيف أن الهوية الوطنية في كل أمّة هي السمت الأصيل والخصيصة التي تتميز بها وتترجم روح الانتماء لدي أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه؛ ومن ثم يستلزم تضمين عناصر الهوية الوطنيّة في مناهجنا الدراسية بصورة أعمق وأرحب إطارًا نظريًا، وواقعًا عمليًا، فالموقع الجغرافي، والتاريخ المشترك الذي يربط من يشتركون في الهوية الوطنية الواحدة، والأحداث التي مرت بهم في تاريخهم الطويل علي هذه الأرض، والرباط الاقتصاديّ الواحد، ونظام العملات الموحد، والراية الواحدة، رمز معنوي يجمع كل أبناء الشعب الواحد والقضيّة الواحدة.