لم يكن أكثر المتشائمين يعتقد ان تصل الأمور إلي ما وصلت اليه خلال ربع قرن، ، علي صعيد ما جري للقضية الفلسطينية منذ المشهد التاريخي، الذي استضافه الرئيس الامريكي بيل كلينتون في البيت الأبيض، بالاحتفال بالمصافحة التاريخية بين إسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بعد التوقيع علي اتفاقية أوسلو، التي صورها المراقبون بأنها بداية النهاية لأطول صراع في القرن العشرين، كانت مجرد المصافحة عملا صعبا، كما حكي بيل كلينتون في مذكراته، وذكر الآتي »لقد قلت لإسحاق رابين إنه في حال كان حريصاً علي السلام بالفعل، ينبغي له مصافحة عرفات لإثبات ذلك، تنهَّد رابين وقال بصوته المتعب: إننا لا نبرم اتفاقيات سلام مع أصدقائنا، فسألته: ستصافحه إذن؟ فردَّ بلهجة جافة: حسناً، حسناً، ولكن من دون عناق». ولعل الفترة الماضية كفيلة بالحكم علي الاتفاق، الذي اختلف حول تقييمه حتي من وقعوه، بين من يعتقد انه قد يكون الممر او المعبر إلي تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، او الكارثة والخطيئة الكبري، فأهميته انه أول اتفاق رسمي مباشر بينهما، نص علي أن تعترف »إسرائيل» بمنظمة التحرير الفلسطينية علي أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأن تعترف المنظمة ب»دولة إسرائيل» (علي 76 % من أراضي فلسطين؛ أي كل فلسطين ما عدا الضفة وغزة. ونصَّ الاتفاق أيضاً علي أن تنسحب »إسرائيل» من أراضٍ بالضفة الغربية وقطاع غزة علي مراحل خلال 5 سنوات من تاريخ الاتفاق، أولها أريحا وغزة،. كما نص علي أن تقر »إسرائيل» بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي علي الأراضي التي تنسحب منها »إسرائيل» في الضفة الغربيةوغزة (حكم ذاتي وليس دولة مستقلة ذات سيادة). الخطأ الذي وقع فيه الفلسطينيون يومها، الاعتماد علي النوايا والمرحلية في التنفيذ، وترحيل ما سمي يومها بقضايا الحل النهائي، وهي الاخطر والاهم، منها قضايا الدولة والقدس واللاجئين والدولة، الخطأ الموافقة علي اتفاق يحتاج كل بند فيه إلي مباحثات، صحيح ان الاتفاق كان مؤقتاً، ولكنه سيؤدي إلي إقامة دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيعه أي في عام 1998، الخطيئة ان الطرف الفلسطيني لم يصر علي وجود اعتراف رسمي متبادل بين دولة فلسطين وإسرائيل علي حدود 67، فماذا كانت النتيجة؟ لم يعد هناك من يتحدث حتي عن عملية السلام سوي قلة قليلة. وفي الشهر الماضي تراجع التأييد لقرار الدولتين إلي 43 في المائة بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين. النتيجة ان المجتمع الاسرائيلي في معظمه اتجه إلي أقصي اليمين، لدرجة انه لم يمر عامان وشهدت اسرائيل جريمة اغتيال إسحاق رابين نفسه علي يد متطرف يهودي، عقابا له علي ما فعله، النتيجة في نهاية العام الماضي اصبح 611 ألف إسرائيلي يعيشون في 250 مستوطنة بالضفة الغربيةوالقدسالشرقية.، ومازالت إسرائيل مستمرة في تصعيد وتيرة الاستيطان بمدينة القدس كما في الضفة الغربية، فقد تضاعف عدد المستوطنين بالقدسالشرقية، خلال العقدين الماضيين، إلي ثلاثة أضعاف. وكشفت إحصائيات فلسطينية عن أن عدد المستوطنين تضاعف في الضفة الغربيةالمحتلة سبع مرات منذ التوقيع علي اتفاقيات أوسلو. حصيلة ربع قرن من اتفاق أوسلو عدم التزام اسرائيل ببنوده، لم يتبق منه سوي التزامات خاصة بالسلطة الفلسطينية، تعفي الجانب الإسرائيلي من مسئولياته في المناطق الخاضعة مدنيًا وأمنيًا لإدارة السلطة الفلسطينية. الحصيلة ذلك التناغم غير المسبوق بين الإدارتين الامريكية والاسرائيلية، والادارة في عهد ترامب تعمل بدون كلل علي تصفية القضية الفلسطينية، خاصة قضيتي القدس واللاجئين وحق العودة والسعي إلي توطين الفلسطينيين في الأردن ولبنان والعراق وسوريا ودول الشتات، حصيلة ربع قرن تدني الخيارات امام القيادة الفلسطينية التي تقف عاجزة عن مواجهة الموقف الأمريكي والإسرائيلي، فداخلياً تعاني من أزمات وخلافات مع حماس، كما انها تناور بالاعلان عن إجراءات لاتتخذها علي ارض الواقع، من ذلك تنفيذ تكليفات المجلس الوطني، للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في مايو الماضي بدراسة تعليق الاعتراف بإسرائيل، لحين اعترافها بدولة فلسطين علي حدود 1967. كما كلف المجلس، اللجنة التنفيذية ببدء تحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل. ولكن اللجنة لم تفعل شيئا حتي الآن، رغم انها تدرك تعاملها مع عملية سلام ماتت منذ فترة في انتظار لحظة تشييعها إلي مثواها الاخير.