اعجبتني القبلة.. التي طبعها خالد مشعل علي جبهة محمد بديع.. وادعو الله سبحانه وتعالي ان تكون قبلة مليونية علي جباه كل المصريين.. وكل الطوائف.. وكل الأحزاب.. وليست مجرد قبلة.. مقتبسة من حكايات كليلة ودمنة.. وقصة الملك والغراب! وكانت مناسبة القبلة.. التي وصفها البعض بانها قبلة القرن، هي حفل الافطار الذي دعت إليه جماعة الاخوان المسلمين في المقطم وحضره وفد من جماعة حماس التي تتولي السلطة في غزة! ولم يكن اللقاء بين بديع.. ومشعل هو اللقاء الأول إذ التقيا قبل ذلك.. اثر اندلاع الحالة الثورية في 52 يناير الماضي.. الأمر الذي لم يكن من المتصور وقوعه طوال السنوات الخمس التي تولت فيها الجماعة الاسلامية بقيادة حماس السلطة في غزة.. والتي كانت فيها العلاقات بين مصر والفصائل الفلسطينية المتناحرة تجري بشكل متوازن.. وعلي قدم المساواة.. مع الأجهزة الرسمية العربية المتخصصة.. فقط! لم تكن علاقات مصر بالقضية الفلسطينية تقوم علي أساس ديني.. وإنما كانت قضية وطنية لكل المصريين. الآن جاء لقاء القبلة.. وقالت المصادر المطلعة وفقا لما نشرت الصحف ان اللقاء تناول العلاقات الثنائية بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. وجماعة حماس في غزة.. بما يعني: أولا: سعي جامعة حماس لنقل علاقاتها مع مصر.. من علاقات مع الحكومة المصرية.. لعلاقات ذات طبيعة خاصة مع جماعة لا يمتد نفوذها وسلطانها إلي ما هو أبعد من قطاع غزة. ثانيا: تكريس فصل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 7691 وحصرها في قطاع غزة باستبعاد الضفة الغربية. ثالثا: صرف الانظار عما يجري في القدسالشرقية من تغييرا.. في هوية المدينة المقدسة. رابعا: اضفاء الطابع الديني علي القضية الفلسطينية بما يزيدها تعقيدا.. ويصرف عنها التأييد العالمي الذي حظيت به علي م ستوي شعوب العالم أجمع. خامساً: نقل القضية من الأجهزة الرسمية المصرية التي اكتسبت الخبرات الطويلة من خلال تعاملها مع الجانب الاسرائيلي إلي أطراف حزبية في مصر.. ابعدتها ظروفها والأوضاع السياسية في مصر عن التعامل البائس مع الدهاليز المظلمة لهذه القضية التي لايبدو علي السطح منها.. سوي قمم الجبال العالية. سادسا: ان انفراد الولاياتالمتحدة بادارة شئون العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. قد ادي للاطاحة بكل المبادئ التي تضمنها ميثاق الأممالمتحدة.. ومن بينها علي سبيل المثال القرارات التي أصدرتها المنظمة الدولية لصالح القضية الفلسطينية.. مما اضاف المزيد من الاعباء علي هذه القضية.. فما بالك إذا تحولت علي ايدي خالد مشعل وجماعة حماس إلي قضية دينية.. تدافع عنها فئة من الرجال.. تتحول أوهي العناكب علي ايديهم لأسود كاسرة؟! التحالف بين حماس وجماعة الاخوان المسلمين في مصر.. لن يخدم القضية الفلسطينية.. حتي لو أدي لقيام الدولة الفلسطينية علي أرض سيناء.. وفق المشروع الاسرائيلي القديم الذي اطلقوا عليه »المنطقة العازلة« بين مصر واسرائيل. مفهوم طبعا.. انه من حق أي حزب سياسي.. ان يدعم علاقات التقارب والتفاهم وان يتبادل الأحضان والقبلات مع الأحزاب الأجنبية التي تتقارب مع أفكاره علي نحو تجربة »الاشتراكية الدولية« التي قامت علي اكتاف الثلاثي الشهير.. برونو كرايسكي مستشار النمسا الأسبق.. وشيمون بيريز زعيم حزب العمل الاسرائيلي.. وفيلي برانت زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المانيا.. هذا صحيح.. ولكن فكرة الاشتراكية الدولية لم تقم علي أساس ديني.. يضم اصحاب ديانة محددة.. ويتصدر اجتماعاتها أرباب اللحي.. بل كانت تضم كبار ساسة العالم الذين لا ينتمون لديانة واحدة.. أعود لموضوعنا فأقول ان الزيارات المتكررة لخالد مشعل ومحمود الزهار لمصر.. بعد اندلاع الحالة الثورية المجيدة في 52 يناير الماضي من أجل التقارب مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر.. قد واكبتها أعمال عنف متزايدة علي المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة.. وتهريب هائل للأسلحة عبر الانفاق.. واستخدام أفراد من الفصائل التابعة لحماس لملابس الجنود المصريين في أعمال فدائية ضد القوات الاسرائيلية.. علاوة علي الاعتداءات المتكررة علي رموز الهيبة المصرية في سيناء.. وعلي أقسام الشرطة.. إلخ.. وتشاء الأقدار ان تقع كل هذه التطورات..سواء في سيناء أو في قلب القاهرة عند مقر السفارة الاسرائيلية في الوقت الذي نشرت فيه الصحف المعلومات التي سربها موقع ويكيليكس منذ أيام حول اقتراح افيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل بأن تتنازل مصر عن بعض أراضيها لصالح قطاع غزة، لكي تكون جزءا من حل النزاع الاقليمي»!!«.. وهو المشروع القديم الذي رفضه أنور السادات اثناء محادثات كامب ديفيد.. وتجدد في اليوم التالي لاغتياله.. مباشرة.. في مفارقة تدعو للدهشة! ولذلك اقول ان فكرة ضم مساحة من سيناء تعادل الضفة الغربية لقطاع غزة.. ليست جديدة.. وكنت شاهدا علي هذه الحكاية التي تستحق الرواية. في اليوم التالي لاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.. كنت أيامها أعمل مديرا لمكتب »مؤسسة أخبار اليوم« في العاصمة الالمانية القديمة »بون«.. تلقيت العشرات من المكالمات التليفونية.. من المان.. لا اعرفهم.. يقدمون التعازي لوفاة السادات.. ومن زملاء من المراسلين الأجانب وأعضاء في البرلمان.. إلخ اقرب هذه المكالمات كانت من الممثل الالماني الشهير كارلوس طومسون الذي لم أكن اعرف ان له أية علاقة بالسياسة.. وبعد ان قدم تعازيه.. ألقي بمفاجأة عجيبة.. إذ قال بنبرات الحزن: ان إسرائيل لن تنسحب من سيناء!.. قبل ان تتبين نوايا النظام الجديد في مصر من اتفاق السلام.. لأنه من الواضح ان التيارات والقوي المعادية للسلام في مصر أقوي من النظام الجديد! ومضي الرجل يقول: - إن اسرائيل سوف ترجئ الانسحاب إلي ان يتضح الموقف! كنت اتصور ساعتها ان المكالمة قد انتهت.. إلا أن كارلوس طومسون.. عاد يسألني: لماذا لا تحاولون اقامة منطقة عازلة بينكم وبين اسرائيل تحول دون تجدد القتال في سيناء؟!.. وثار جدل يطول شرحه تبينت منه أنه يقصد ان تكون هذه المنطقة العازلة هي أساس الدولة الفلسطينية في الأراضي المتاخمة لقطاع غزة!.. واستمرت المكالمة لما يقرب من نصف الساعة.. وانتهت بعد ان ادرك طومسون ان فكرته تتسم بالسذاجة المفرطة. ودارت الأيام.. ومرت الأيام.. وجاء موعد أول زيارة يقوم بها حسني مبارك لالمانيا في العاشر من ديسمبر 2891.. وإذا بكارلوس طومسون يتصل بي من جديد مقترحا اعداد حوار تليفزيوني مع الأستاذ موسي صبري حول فكرة المنطقة العازلة بين مصر واسرائيل لتوطين الفلسطينيين»!!«.. وقال لي ان موسي صبري سيرافق الرئيس الجديد.. في زيارته لالمانيا.. وأن الحوار التليفزيوني معه سوف يساهم فيما اسماه »إنجاح الزيارة«! اعتذرت بالطبع.. نيابة عن الأستاذ موسي.. إلا أنه قال: دعنا نحاول!.. وبناء علي هذا الوعد اتصلت بالاستاذ موسي وحدث ما توقعته.. ورفض مجرد مناقشة الموضوع.. وابلغت كارلوس طومسون بالرفض.. وتصورت ان الحكاية قد انتهت.. ولم اجد فيها ما يستحق الكتابة الصحفية.. أيامها.. في اليوم السابق لوصول حسني مبارك.. اتصلت بي السيدة المسئولة عن القناة الثالثة بالتليفزيون الالماني للمشاركة في برنامج »مناقشة حول مشكلة خارجية«.. حول زيارة حسني مبارك لالمانيا سوف تبثه القناة ليلة وصول الرئيس.. فوافقت! في الاستوديو.. فوجئت بوجود كارلوس طومسون.. ومعه عبدالله الأفرنجي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في بون.. ومائير مرحاف مراسل صحيفة »الجيروزاليم بوست« الاسرائيلية في بون.. وعلي الهواء من أمريكا بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي! ووسط الحوار حول التغييرات المتوقعة في سياسة مصر الخارجية في ظل الرئيس الجديد »حسني مبارك«.. وما هو الثابت والمتغير في سياسات الرئيس القديم والجديد.. طرح طومسون فكرة »المنطقة العازلة« من جديد.. المثير في الموضوع ان جميع المشاركين في البرنامج.. بمن فيهم مراسل »الجيروزاليم بوست«.. رفضوا الفكرة.. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي.. ان مناحم بيجين طرح هذه الفكرة اثناء محادثات كامب ديفيد وان السادات رفضها.. وقال ان موضوع الأرض غير قابل للمناقشة.. وفي اليوم التالي التقيت بحسني مبارك وسألته: شفت البرنامج امبارح.. ياريس؟.. فاجاب: قالوا لي عنه.. بس انا عايزك تعمل لي ملخص! وكانت السيدة ليلي واصف المستشارة الاعلامية في بون قد قامت بالفعل بتفريغ الشريط.. واعداد التقرير المطلوب. ويبقي السؤال: لماذا تتجدد فكرة اقامة الدولة الفلسطينية علي أرض سيناء في الوقت الذي لم يعد أحد.. يتحدث فيه.. لا عن الضفة الغربية ولا عن القدس؟! مجرد سؤال تطرحه قبلة العيد الصغير الذي نحتفل به هذه الأيام.. وسط الشكوي من ارتفاع أسعار الكعك.