لو كان هناك أناس يولدون في الجنة، ويشبون في رحابها ويكبرون.. ثم يجاء بهم إلي الأرض ليكونوا زينة لها ونورا.. لكان »عمار« وأمه »سمية« وأبوه »ياسر«. حين كان الرسول عليه السلام يواسيهم عندما تعرضوا للعذاب من كفار قريش، فقال لهم »صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة«.. كان يقرر حقيقة يعرفها ويؤكد واقعا يبصره ويراه. كان إسلامهم مبكرا.. وكشأن الأبرار أخذوا نصيبهم الأوفي من عذاب قريش وآهوالها.. فقد وكل أمر تعذيبهم إلي بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا »ياسر وسمية وعمار« كل يوم إلي رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من جحيم العذب ألوانا وفنونا. إلا من أكُره أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان الرسول عليه السلام يمر به ويمرر يده علي رأسه ويقول »يا نار كوني بردا وسلاما علي عمار كما كنت بردا وسلاما علي إبراهيم«. في يوم من تلك الأيام المهلكة فقد عمار وعيه تحت وطأة هول العذاب، بالنار، واختناق أنفاسه بالماء، فقالوا له اذكر آلهتنا بخير وأخذوا يقولون ذلك ويرددون وهو يرد وراءهم القول في غير شعور. وفي ذلك اليوم، وبعد أن افاق قليلا من غيبوبة تعذيبه، تذكر ما قال فطار صوابه، فقد تحمل الهول المنصب علي جسده لأن روحه شامخة.. أما الآن فقد ظن أن الهزيمة أدركت روحه، وأشرفت به همومه وجزعه مما حدث علي الموت والهلاك. لقي رسول الله عليه السلام عمار فوجده يبكي، فجعل يمسح دموعه بيده، ويقول له »أخذك الكفار، فغطوك في الماء، فقلت كذا وكذا؟«.. فاجابه عمار وهو ينتحب: نعم يا رسول الله.. فقال له عليه الصلاة والسلام وهو يبتسم »إن عادوا فقل لهم مثل قولك هذا« ثم تلا عليه الآية الكريمة »إلامن أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان« استرد عمار سكينة نفسه ولم يعد يجد للعذاب علي جسده ألما، ولم يعُد يلقي له بالا.. وصمد عمار حتي حل الاعياء بجلاديه وارتدوا أمام اصراره صاغرين. حُب الرسول كان رسول الله عليه السلام يحب عمارا حبا عظيما، ويباهي به أصحابه بايمانه وهديه.. وكان يقول عليه السلام »إن عمار جلده ما بين عيني وأنفي« واذا احب الرسول مسلما إلي هذا الحد فلابد ان يكون إيمانه، وبلاؤه وولاؤه وعظمة نفسه، واستفاق ضميره ونهجه قد بلغت المدي. قال الرسول عليه السلام »اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.. واهتدوا بهدي عمار«. وصف الرواه عمار بأنه كان طوالا، أشهل، رحب ما بين المنكبين.. من أطول الناس سكوتا وأقلهم كلاما«. ولما لقي الرسول ربه واصل هذا العملاق عريض الصدر زحفه ضد الفرس والروم، جنديا باسلا أمينا لا يخيب لسيفه ضربة، مؤمنا ورعا جليلا. وعندما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يختار ولاه المسلمين في دقة وتحفظ.. سارع إلي »عمار« وولاه الكوفة.. ولقد زادت عمار الولاية تواضعا، وورعا، وزهدا. قال أحد الرواه بعد توليه الكوفة »رأيت عمار بن ياسر وهو أمير الكوفة يشتري من قثائها، ثم يربطها بحبل ويحملها فوق ظهره، ويمضي بها إلي داره«. إنه رجل من الجنة