في مقارنة ظالمة، تأملت صور الرائدات الثلاث اللاتي إنطلقن إلي الفضاء الخارجي لكوكبنا علي متن المكوك الأمريكي ديسكفري في الخامس من هذا الشهر، وهن يشرقن بجمال الطمأنينة وصحة العقل وسعة العلم، واسترجع ذهني بالمخالفة ما تقع عليه الأعين كلما إغتربنا في فضاء شوارعنا الذي انطلقن لغزوه أخواتنا ذوات السواد المبرقع. ولا يمكنني وكثيرون غيري، إلا أن نقبل تسليما لتلك الرؤية غيرالمحببة لعين أو نفس وما تعكسه من معاملة يراد بها للمرأة المصرية خسران ما حققته من مكاسب تتفق مع مقتضيات المشاركة في الحياة، يكون معيارها الوحيد تفوق العقل والعلم، دون حاجة إلي انزواء مهين وراء ستر لم تفرض عليها، طبقا لمفهومنا للتدين السمح الذي شببنا عليه وأتبعناه مضاد لفكر يري في إغلاق الأبواب والنوافذ نفعاً في درء المفاسد، متغافلاً أنه لا يدفع فسادا الا تقوي قلوب تأسست علي تربية بلا عيوب. ومع إعتذار لذوات البراقع الواردة علي مجتمعنا والجافية لثقافتنا ومستلزمات الحياة الطبيعية بمفومها العصري لدينا، والمخالفة لمقتضيات تديننا البعيد عن تنطع ما زكاه رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام، فإني ومئات الألوف ممن كانوا بمراحل الدراسة في فترة الستينات، يحضرنا إننا قد تعايشنا وتعاملنا بتمام الإحترام مع زميلات لنا في دور علم من مدارس وجامعات لم يكن وقتئذ حتي يضعن علي رؤوسهن ذلك القماش الذي إصطلح علي تسميته »حجاب«، وقد كان إحتراما قمن هن بفرض وجوبه علي الغير دون تفضل هذا الغير في تقديمه اليهن، ولم يخالجنا حينئذ أدني شعور بإنهن غير جديرات بما يستحققنه من معاملة كريمة وسوية. وقد أصبح منهن اليوم وزيرات وإعلاميات وسفيرات وطبيبات وقاضيات وغير ذلك من مهام ووظائف شغلن إياها ويتوجها دور زوجات ناجحات ومربيات فاضلات واعيات لأجيال قادمة من أبنائنا، دون أن يكمن معيار نجاحهن في مباشرة تلك المهام إلا في تفوق عقولهن وعلومهن علي غيرهم من أبناء المجتمع رجالا كانوا أم نساء. ويعرف النقاب في قاموس شرح لسان العرب بالآتي: »النقاب عند العرب، هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاحقا بالعين، وكانت تبدو إحدي العينين، والأخري مستورة، والنقاب لا يبدو منه إلا العينان، وكان اسمه عندهم الوصوصة، والبرقع، فإن كان علي طرف الأنف، فهو اللفام وكان من لباس النساء«. ويقول الله تعالي في سورة التوبة: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم).. وقال رسوله الكريم: (إن الله لا ينظر إلي اجسامكم ولا إلي صوركم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم). وهما قولان عظيمان لا شك في أنهما علاوة علي ما يقننانه من مساواة كاملة بين الرجال والنساء فهما يوضحان ايضا بجلاء فضل طيب الأعمال علي رسم الاشكال. ولا وجه للمقارنة بين كلمات الله ورسوله، وشروح قاموس عن ملبس اختاره الرجال للنساء في زمن ما وبيئة ما. ألا إن إزالة الأفكار الخاطئة من العقل اصعب بكثير من ازالة أورام الجسد.