رغم أننا نزعنا اسم حسني مبارك من العديد من المدارس والمكتبات والمنشآت العامة ومحطة المترو .. ورغم أننا بدلنا التهنئة التقليدية التي دأبنا علي ارسالها للأصدقاء والأقرباء والأحباب بمناسبة حلول شهر رمضان فجعلناها "رمضان كريم" بدلاً من "رمضان مبارك" إمعاناً في إثبات محو هذا الاسم من ذاكرتنا الجمعية إلا أننا في الحقيقة لم نستطع أن نفعل ذلك في أعماقنا! دليلي علي هذا الكلام ما حدث صباح الأربعاء الماضي الثالث من أغسطس ورمضان أيضاً ، فما فعله المصريون والعرب بل ومواطنون كثيرون علي مستوي العالم يؤكد كلامي. لقد تسمر الملايين أمام شاشات التليفزيون في العالم كله تملؤهم مشاعرالإثارة والترقب ولا يشغل تفكيرهم إلا ما سوف يحدث في هذا اليوم التاريخي المهيب. كانت القلوب تنبض بسرعة والعيون تحدق بتركيز والعقول تقلب البدائل المحتملة لسيناريوهات مختلفة من الممكن أن تحدث في هذا الحدث الجلل. اختلطت المشاعر بشدة وامتزجت ما بين الفرحة الشديدة والتعاطف الإنساني والتأمل في الكون.وتمتم الكثيرون وهم يتابعون أشهر مشهد في رمضان "سبحان الله المعز المذل" كذلك قال البعض "الأيام دول يوم لك ويوم عليك" ، وداهم الجميع دهشة هائلة يكادون لا يصدقون أن ما يرونه رؤية العين حقيقة وأن هذا الوجه الذي طالما شاهدوه قوياً لرئيس سابق هو حسني مبارك هو نفسه الوجه الذي يستلقي صاحبه علي سرير طبي في وهن وشرود يحتاج من ينقل له ما يدور حوله من أحاديث وأفعال!. الناس كذلك لم يصدقوا أن هذين الشابين اللذين يرتديان البدلة البيضاء للمساجين هما نفسهما :جمال وعلاء مبارك اللذان كانا وجهين لامعين في كل وسائل الإعلام قبل شهور قليلة!. إنها إرادة الله وإرادة الشعب ومحاكمة القرن بلا منازع .فالمحاكمة شئنا أو أبينا .اتفقنا أو اختلفنا ستظل لحظة فارقة في تاريخ مصر ، فهي أول محاكمة حقيقية لرئيس مصري تولي الحكم علي مدي ثلاثين عاماً وهي سابقة تاريخية ورمز خالد للعدالة سيظل في ذاكرة الشعوب طويلاً. هذا كله يؤكد أن مبارك لا يزال في بؤرة تفكيرنا وفي مركز اهتمامنا . مبارك الرمز الذي سقط والرئيس الذي نحاه شعبه والطيار المقاتل أحد أبطال حرب أكتوبر العظيمة الذي هوي بطائرته إلي الهاوية. إنها قصة للتأمل ومسلسل ناجح جداً بل هو أنجح مسلسلات رمضان الحالي علي الإطلاق فرمضان يدعونا لتأمل الكون وحكمة الخالق وليس هناك أبلغ ولا أقوي من تأمل قصة "حسني مبارك .. البطولة والانكسار". فهي قصة تجعل كل صائم يشرد ويفكر ويتأمل ويتعجب ويقول "سبحان الله" . وتجعلنا نتذكر آيات بعينها في القرآن الكريم منها قوله تعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ "التغابن 14 وقوله تعالي "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" يس82. كل ما أتمناه أن تتم محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك بعدالة كاملة خاصة ونحن في شهر رمضان الكريم وأن نتبع قول الله تعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي ألا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة: 8 العدالة وعدم التشفي يجب أن تكون سمة هذه المحاكمة التاريخية.. والله هو الخافض الرافع.. المعز المذل.. والعفو.. والمنتقم.. والعدل.. والحكم.. والرحمن الرحيم.