لم يعد الحفاظ علي اللغة العربية رفاهية نتغني بها في المؤتمرات والمهارج الثقافية، وإنما أصبح ضرورة ملحاحا في زمان سطت فيه اللغات الأجنبية علي شوارعنا فشوهتها وعلي ألسنة أبنائنا فبلبلتها.. أربعون عضوًا »خالدًا» بالمجمع الكائن علي نيل الزمالك الهادئ، يُنافحون الواغش عن هويتنا العربية بأوارٍ مشبوبٍ رغم استعلاء السن.. وفي هذا الحوار نبحث الكثير من أعمال المجمع ونعرض لعقباته الكأداء أمام تقديم رسالته مع د.عبدالحميد مدكور أمين عام المجمع والأمين العام للمجامع اللغوية والعلمية العربية: ما أهم الذكريات الرمضانية التي لا تزال عالقة بذهنك منذ الصبا الأول؟ - بدأت الصيام تقريبا في سن الثامنة، وكان الوقت في شهري يوليو وأغسطس في عز الصيف، وبالتالي اليوم طويل جدا والجو حار، وأذكر أنني بكيت في اليوم الأول من شدة الجوع والعطش، ولكنني رغم ذلك لم أفطر، بل واصلت الصيام، لأن هذه العبادة تحمل معني شخصيا وهو الرجولة، فأنت تبدأ مرحلة الرجولة حين تبدأ الصيام، والرجل لابد أن يتحمل ولا يُعقل أن يكون الرجل ضعيفًا إلي الحد الذي يجعله عاجزًا عما يفعله الرجال. هل لديك »سيناريو» خاص لقضاء الشهر الكريم.. عبادة ودراسة؟ - السيناريو موضوع، ولكنه قابل للتعديل أو التقليل، فالبرنامج النهاري عمل كله وكأننا لسنا في رمضان ومهما كانت أعمار الأساتذة فلابد من إنجاز الأعمال وهذا يتعلق بالقسم الأكبر من النهار الرمضاني، وبعد انتهاء العمل والعودة إلي المنزل إما القليل من النوم أو المراجعة لشيء من القرآن، وبعد الإفطار صلاة العشاء ثم التراويح وفي كثير من الأحيان ألقي درسًا بعد الركعات الأربع يتعلق برمضان وأحكام الصيام والزكاة وغيرها. المعجم الكبير ما تقييمك لأداء مجمع اللغة العربية خلال السنوات الماضية؟ - المجمع تقدم إلي الأمام خطوات في أداء أعماله، فكان لدينا مثلاً المعجم الكبير وهو الأكبر في اللغة العربية في سائر بلاد العالم ولا أقول في الدول العربية فقط، وكانت له لجنة واحدة تؤدي العمل وهذا يحتاج إلي خمسين عامًا لإتمامه، لكن الآن توجد خمس لجان تعمل كل واحدة منها أربع ساعات أسبوعيا بدلًا من ساعتين لتسريع الإنجاز والوصول إلي النسخة النهائية من هذا المعجم الكبير. إذن متي تتوقع صدور مثل هذا العمل الضخم وفي كم جزء؟ - سننتهي منه خلال أربع أو خمس سنوات، وسيصدر في أكثر من ثلاثين مجلدًا، وقد وصلنا الآن إلي حرف العين ولم يبق من الحروف الكبيرة إلا حرف الميم لأنه يحمل كلمات كثيرة، لكن مع الإنجاز الذي تم، والمهارات التي اكتسبها المحررون الذين يجمعون المادة من الكتب والدواوين والمعاجم سيكون الإنجاز أسرع.. كما أننا أنشأنا لجانا جديدة وقمنا بعمل مواسم ثقافية لم تكن موجودة من قبل تضم علماء من المجمع وجمهورًا من المثقفين والدارسين والمتابعين، وعلي الأقل نعقد ندوة كل شهر.. فلدينا وجوه عمل كثيرة، ولدينا معدلات للإنجاز في الأعمال لم تكن موجودة من قبل. خلوة علمية دائمًا ما يُتهم المجمع بأنه بعيد عن الحياة الواقعية.. كيف تري ذلك؟ - هذا كلام يقوله أناس لا صلة لهم بطبيعة الأعمال، فهذا شأن الأكاديميات العلمية، ومع هذا لسنا منغلقين فيما يتعلق بأعمالنا ولكننا نهتم بالاتصال بالناس، ووضعنا المجمع علي الموقع الإلكتروني وتأتي إلينا أسئلة وشكاوي تتعلق بأحكام ترسلها إلينا المحاكم لتفسير نصوص تكون أمام القاضي حتي يقضي بمقتضي الدلالة اللغوية الموجودة في وثيقة من الوثائق تتعلق بالديون أو بقسمة مواريث.. ولكن العمل الأكاديمي بصفة عامة يحتاج إلي »خلوة علمية»، وكذلك حال أساتذة الجامعة مثلًا. حماية اللغة عامان مرا علي مشروع قانون حماية اللغة العربية.. ما الجديد؟ - نحن بالفعل وضعنا مشروع قانون نوقش مناقشة قانونية وثقافية وعلمية في المجمع، ثم قدمناه إلي وزارة العدل وهي المنوط بها صوغ القوانين في صورتها النهائية، وحضرنا هناك اجتماعا شاركت فيه الهيئة الوطنية للإعلام ووزارة التعليم العالي ووزارة التعليم والأزهر الشريف.. وكل هؤلاء اجتمعوا لدراسة الصورة النهائية التي ينبغي أن تكون موجودة بشكل قانوني يصلح للعرض علي البرلمان، ثم بعد ذلك قُدم هذا القانون إلي بعض أعضاء البرلمان ومنهم اللواء سعد الجمال مقرر لجنة الشئون العربية وسلاف درويش، وأخبرونا أنهم يعملون علي إدراج هذا القانون في أعمال البرلمان، ولكن هناك أولويات ولم يُصبه الدور بعد.. ونحن نتواصل كل فترة مع النواب لنذكرهم أن الأردن سبقتنا في إصدار مثل هذا القانون وسوريا لديها ما يشبه القانون.. كما أن الصيغة التي انتهي إليها الأمر موجودة في وزارة العدل، وقد قدمنا نسخة إلي مكتب رئيس مجلس الوزراء، حتي تعمل كل الجهات في هذا الإطار. الضبطية القضائية وهل تضمنت مواد المشروع حق الضبطية القضائية لمواجهة ظاهرة الانفلات اللغوي؟ - نعم تضمنت المواد حق الضبطية القضائية، لأنه إذا أصدرت قانونا دون عقوبات فإنه لن يُنفذ.. ونحن لا نبدأ بالعقاب، ولذلك خاطبنا جميع الوزارات ذات الصلة بالشأن العام، لتتعاون كل هذه الهيئات في إنجاز هذا المشروع وتحويله من الورق إلي الواقع وننبه إلي أن القانون يضم عقوبات، ومن يتخلف فإن من حق المجمع ويشاركه في ذلك ثلاث هيئات أخري: الأزهر ووزارة التعليم العالي والهيئة الوطنية للإعلام.. بالتقدم إلي القضاء بوقائع تدل علي إصرار علي خطأ.. ونحن لم نقل إن اللافتات يجب أن تنفرد بها اللغة العربية لأن هناك أسماء ذات لغات أجنبية ولكن نطالب أن تكون اللغة العربية في مكان أعلي وبخط أكبر وبعدها نضع الكلام بلغات أخري.. لأننا لا نجد ما يحدث في أي مكان بالعالم، فلا يوجد في فرنسا من يكتب بالإيطالية أو في إيطاليا من يكتب بالفرنسية.. فلابد أن تكتسب اللغة مهابتها علي ألسنة المتحدثين وعلي أقلام الكاتبين وعلي ألسنة من يقدمون الإعلام أو الإعلان للناس، فتضافر كل هؤلاء ضروري لإسباغ الهيبة علي اللغة العربية. يقال دائمًا بأن مجمع الخالدين »بيت للمسنين» لأننا لا نري أعضاء من الشباب.. كيف تفسر ذلك؟ - نحن نشترط فيمن يتقدم إلي المجمع مستوي ثقافيا وعلميا كبيرًا، علي الأقل يكون حاصلا علي درجة أستاذ بالجامعة، أو في مستواهم من الفئات الأخري، ولا يصل إلي الأستاذية إلا من يمر بمراحل عمرية عديدة، إضافة إلي أن العمر ليس مقياسًا فهناك أعضاء فوق السبعين ولكنهم يعملون منذ الصباح حتي الثالثة والنصف مساء، في حين أن بعض الشباب يظل نائما حتي الظهر، فليست هذه عقبة بحال من الأحوال لأن المهم هو العطاء وليس السن، كما أن الأعضاء الكبار يكونون مكتملي الخبرة ولديهم مساهمات علمية وبعضهم حصل علي جوائز دولية، ولابد أن يكونوا كذلك ليقوموا بعمل دقيق كترجمات المعاجم أو التأسيس اللغوي أو غيرها من الأمور المنوطة بهم.. بالإضافة إلي أن لدينا بالفعل مستويين بعد ذلك: الخبراء وبعضهم في الثلاثين وحاصلون علي درجات علمية، ولدينا محررون، وهؤلاء يعملون بنظام الجامعة.. وكل هذه الفئات تتعاون وتتكافل لإنجاز أعمال المجمع. قانون الحماية هل هناك نية لتغيير قانون المجمع بما يسمح له بالتشابك أكثر من حاجات الواقع؟ - لم نتخذ خطوات فعلية في هذاالشأن، وقد يكون ذلك، ولكن بعد الانتهاء من خطوة قانون حماية اللغة العربية الذي مرّ عليه عامان. ما آخر مشروعات المجمع التي سيراها الباحثون قريبا؟ - لدينا مشروع لم يصدر بعد وهو تحديث المعجم الوسيط بإصدار جديد، الذي أنشئ منذ أربعين عاما وقد نُشر في العالم أكثر من مائتي مرة، ولدينا مشروع آخر وهو معجم للأطفال مصوَّر وناطق وهو في طور الإعداد.