كنا نعيش فى بنى سويف ...و كان والدى عالما من علماء الأزهر الشريف، ولنا جار قبطي صديق لوالدى وهو الخواجة روفائيل. وكلمة خواجة ليست عيبا فكلمة خوجة تعنى معلم. وقد سألت أبى رحمه الله عن معنى الكلمة فقال لى ألا تعرف أن السيد المسيح كان يسأله الحواريون ويقولون ماذا تقول لنا يا معلم. وفى عيد الأضحى كنت أحمل الثلث الهدية للخواجة روفائيل وكنت على الطريقة المصرية أضحك معه فأقول إنه ليس لدينا غير عيدين اثنين، أما أنتم فلكم الكثير من الأعياد. ولهذا فنحن الذين نكسب. بداية للحوار تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن مجمع اللغة العربية ولكنها فى صلب الموضوع حيث إنه مكان أصحاب الفكر المستنير. ود. حسن الشافعى هو الرئيس السابع لمجمع اللغة العربية أو مجمع الخالدين وأول أزهرى معمم يجلس على هذا المقعد. أماعضويته فى المجمع فكانت عام 1994 أى منذ عشرين عاما. وكان وقتها- وحسب وصفه - فى قمة شبابه, فعمره لم يكن يتعدى الرابعة والستين فقط، فى حين كان بقية أعضاء المجمع قد وصلوا إلى التسعينات وبعضهم عمر للمائة.ويضم المجمع الآن خمسة وثلاثين عضوا ولا يحظى بعضويةالسيدات ورغم كونه أزهريا ومعمما فأنه حريص على ترشيح أدباء أقباط. ونطمح - والكلمة له -أن يحتل الشباب أماكنهم. فبالأمس القريب كان علماء شباب فى قامة مصطفى مشرفة يتقنون العربية كما يتقنون الانجليزية. ولدينا الآن أربعة مقاعد شاغرة. والواقع أن كبر سن الأعضاء قد يجعل العطاء العلمى ضعيفا وهذه مشكلة واجهها د. عبدالفتاح القصاص خبير البيئة الذى قال لى لو كان مقدرا لى صحبتكم منذ عشر سنوات لخدمتكم أكثر. ومجمع اللغة العربية أسندت إليه مصر مسئولية حماية اللغة العربية وتيسيرها وتقريبها من الأجيال الجديدة. فالفكرة فى الأصل بدأت شعبية ثم أصبحت مشروعا رسميا فى أوائل الثلاثينيات. و بدأ العمل فعليا عام 1934. ولدينا عام مجمعى يبدأ من شهر أكتوبر و يستمر إلى يوليو من العام اللاحق. ومنذ عام 1934 فى كل يوم اثنين من كل أسبوع فى تمام الحادية عشر صباحا ينعقد مجلس المجمع ولم ينقطع ساعة منذ ثمانين عاما. مهمة خاصة وإصدارالمعاجم مهمة أولى للمجمع الذى أصدر» «المعجم الوسيط» وطبع أكثر من مائة مرة ويناسب طلاب الجامعات و طبعنا موجزا له بأسم » الموجز« وهو يناسب طلاب الاعدادى والثانوى. وبالنسبة للعلماء والمتخصصين فهناك» المعجم الكبير« وهو أوسع معجم عرفته العربية فى تاريخها ووصلت الأعمال منتصف الطريق . وحيث اننا بدأنا فى السبعينيات فإننا فى حاجة وبحسابات الزمن إلى أربعين سنة أخرى لإنجازه. ولكننا التزمنا أمام الشعب المصرى والأمة العربية بإصدار المعجم الكبير خلال خمس أو سبع سنوات، بتعاون وزارتى المالية والتعليم العالى على الوفاء بهذا الوعد .ولسنا بعيدين عن المجتمع المصرى بدليل إصدارنا ربع مليون مصطلح لمواكبة حركة العلم المتطورة. كما أننا نهتم بالأطفال لهذا نعد معجما مصورا لنزيد من حصيلة الثروة اللغوية لدى الطفل بدون معلم، بالإضافة إلى معجم الاعلام العرب ويضم كل من قاموا بخدمة العربية سواء من العرب أو المستعربين . ويضم المعجم الكبير الشامل كل الجذور والأصول والكلمات وهو مشروع جليل وليس مسئولية المجمع فى القاهرة وحده وإنما هو مسئولية اتحاد المعاجم اللغوية العربية ولكنه فى حضانة مجمع اللغة العربية بالقاهرة. والمعجم التاريخى بدأ الكلام عنه فى الثلاثينيات و الاربعينيات عندما أقترحه فيشر وهو أحد المستشرقين الالمان . و قد شرع فيشر فى اعداد البطاقات العلمية لمعرفة تاريخ أول من ظهرت الكلمة على لسانه واثبات ذلك بشواهد تاريخية إلا أن كثيرا من هذه البطاقات قد فقد. ونحن نطمع فى إصدار المجلد الأول من هذا المعجم التاريخى ونعتبره مسئولية اتحاد المجامع العربية، حيث إن لكل مجمع نصيبا محددا ومسئولية مصر أكبر لاننا مسئولون عن التنظيم واستكمال المنهج والانفاق على المجلد الأول. مسألة اعتزز وأعتقد أن أكبر التحديات التى تواجهها مصر هو ضعف التعليم. فاللغة العربية لن تضعف وتزداد مرونة ولكن صلة الشباب هى التى ضعفت إلى حد كبير. ونحن لسنا يائسين من مواجهة المشكلات و إصلاح التعليم فى وقت قريب ولكننا نحتاج إلى شيوع الاعتزاز القومى باللغة. ففى القرآن الكريم هناك حديث عن مصير المؤمنين من أنهم يحلون بسندس واستبرق وهى أنواع من الحرير لم يكن يعرفها العرب واستخدمها القرآن الكريم وهذا بلا شك صحيح فليس هناك مانع من تبنى كلمة أجنبية بشرط أن نصقلها حسب المقاييس العربية. بلاغ إلى النائب العام ونستطيع أن نتقدم ببلاغ للنائب العام ضد من يهين اللغة العربية ولكننا لم نستخدم هذا الاسلوب بعد. وآثرنا أن نلجأ لأسلوب الترغيب من خلال الجوائز. فنجيب محفوظ نال أول جوائزه الأدبية من المجمع وكان يقول إن المجمع هو الذى اكتشفه. ما أريد أن أقوله اننا نرغب فى نهضة معاصرة واعتزاز بالذات والتراث العربى فهذا هو أفضل طريق للمحافظة على لغة الضاد.ولدينا فكرة تحولت إلى مشروع عملى خاصة باصدار الشهادة العربية الدولية فى اللغة العربية اسوة باللغات الآخرى. فالاعتزاز باللغة الأم لابد منه ولن يحدث هذا ما لم تكن هناك كرامة للغة فى عقر دارها. ولهذا قد يستغرب البعض حديثى عن التويتر والفيس بوك فهذه الكلمات التى أدخلها الشباب ونحن لا نختلف على هذا ولكننا فى اللجان اللغوية نعمل على تعريب هذه المصطحات ووجدنا من يقترح الفيسبكة ويكون الفعل يفسبك. وقد يكون هناك تعامل مع هذه الكلمات باقتراحات أخرى. فالمهم ان نتواكب مع العلوم الحديثة وان نربط المصريين بتراثهم العربى وهذه هى النهضة. وكل الوثائق الدستورية التى صدرت تعترف باستقلال المجمع ورغم اننا نتبع وزارة التعليم العالى لاننا نحتاجهم كقناة إيصال لمخصصاتنا من الدولة. وقرارات المجمع كانت مجرد توصيات ونصائح تأخذ بها الدولة أو لا تأخذ، ولكن صدرت قوانين تعطى سلطة الضبطية اللغوية للمجمع وهو ملزم لإدارات الدولة. وهناك عدة قوانين منها قانون أصدره عبد الناصر عام 1958 ضد تداول اللافتات الأجنبية التى ترفعها المحال والشركات ويكاد الانسان حينما يرى هذا التلوث اللغوى الفظيع يستشهد بأبيات الشاعر المتنبى الذى تكلم عن غريب الوجه واليد واللسان وهو حال العربى الذى يجد لافتات فى الشوارع مكتوبة بحروف عربية وانجليزية فى كلمة واحدة.