أرقام جديدة.. سعر الدولار اليوم الثلاثاء 23-4-2024 في البنك المركزي المصري    تعديل قواعد حوكمة الشركات العاملة في مجال الأنشطة المالية غير المصرفية    إزالة 39 حالة تعد على الأرض الزراعية بالمنيا    تعرف على موعد الإجازة الرسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    مياه أسيوط تنظم ورشة عمل لتدريب أخصائي خدمة العملاء على منظومة الوثائق الإلكترونية    إنقاذ سفينة و طاقمها من الغرق قبل عبورها قناة السويس    رئيس الوزراء البريطاني: لن يقف في طريقنا شيء بشأن إطلاق رحلات جوية إلى رواندا    مصدر بالجامعة الأمريكية يكشف تفاصيل اعتراض طلاب تضامنوا مع القضية الفلسطينية    عاجل.. مفاجأة مدوية بشأن تورط برشلونة في حادثة " الهدف الشبح "    بونو يعود لتشكيل الهلال أمام العين في دوري أبطال آسيا    اختتام سباقات الهجن بشمال سيناء اليوم    إيمري يمدد تعاقده مع أستون فيلا    الأمن يرفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة ومتهالكة من الشوارع    انتشال جثة شاب طافية بنهر النيل في أسيوط    ربة منزل تنهي حياتها حرقا بسبب خلافات أسرية في الجيزة    بالفيديو.. مدير مكتبة الإسكندرية: أنتجنا أكثر من بودكاست مع مؤلفي الكتب لتعريف الناس بهم    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    نائب: مرور 200 يوم على حرب غزة دليل على ازدواجية المجتمع الدولي    تنظيم الاتصالات يقر أوقات العمل الصيفية لشركات المحمول    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس السيسى بذكرى تحرير سيناء    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    مكتبة الإسكندرية تشهد فعالية "مصر حكاية الإنسان والمكان"    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    كولر يشرح خطة مواجهة مازيمبي الحاسمة في محاضرة فنية    عبدالرحمن مجدي: مباراة الاتحاد بداية تحقيق طموحات جماهير الإسماعيلي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    7 توجيهات من وزير التعليم لقيادات المديريات لضمان الجودة    رفع 40 سيارة ودراجة نارية متهالكة بمختلف المحافظات    التعليم: عقد امتحانات طلاب الدمج بالأول والثاني الثانوي ورقيًا    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    غرق شاب في ترعة أخميم بسوهاج    وقف نظر دعوى مدير حملة أحمد طنطاوي بقضية تزوير التوكيلات الشعبية    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    «مفاجآت مالية».. توقعات برج الدلو في الأسبوع الأخير من أبريل 2024    916 ألف جنيه إيرادات فيلم شقو في السينمات خلال 24 ساعة    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    وزير الصحة: التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص يضمن خلق منظومة صحية قوية    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    إطلاق قافلة طبية مجانية في قرى مرسى مطروح.. اعرف الأماكن والتخصصات    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    بمناسبة اقتراب شم النسيم.. أسعار الرنجة والفسيخ اليوم الثلاثاء 23/4/2024    مجلس النواب يستمع إلي البيان المالي للحكومة لموازنة 2024-2025    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان في بلاد الله
نشر في الأخبار يوم 16 - 05 - 2018

أخذتُ البلح معي إلي ألمانيا ظنا أن ألمانيا لا نخيل بها وربما لا يبيعون التمر
طَبلية العُوَيْضات
لم أعرف قيمة طبلية بيتنا إلا بعدما كبرت وسمعت المقولة الشهيرة التي نطلقها علي الشخص الأصيل التي لاينظر لما في أيدي الآخرين وإنما يكتفي راضيا بما قسمه الله له، فيقال عنه »تربي علي طبيلة أبيه»‬فالطبلية الدائرية التي تستند علي أربعة أرجل وترتفع عن الأرض نصف متر تقريبًا نتحلق حولها جميعا في رمضان وقبيل الإفطار نضع الأكل ولا سيما البلح والزلابية والكنافة ، لكن نمضي إلي المسجد العتيق منتظرين قدوم الشيخ خليل أبو جلال الذي يأتي في كامل أناقته بجلباب أبيض وعمامة خضراء ولحية سوداء، ويمشي الهويني نحو المسجد، ونفرح بقدومه لأنه مؤشر علي قرب أذان المغرب ، كان الشيخ خليل من الطيبين، وكان ينتظر إشارة من إمام المسجد الشيخ عبد الحليم الطاهر ذلك الرجل التقي الذي ظل يؤم البلدة أعواما طويلة حتي وفاته - رحمه الله - دون أجر لأنه كان غنيا ويري أن ذلك ثواب يؤجر عليه من الله تعالي ، وما أزال أحفظ نهاية خُطب الجمعة لديه عندما يتجه للناس» اتقوا الله فقد كفي ما كان، واتقوا الله فحالُنا لايرضي به إنسان،و اتقوا الله وسَلُوه إصلاحا وتنظيما....» ثم يبدأ في الدعاء لقادة ثورتنا المباركة ، وكم أندم لأن أحدا لم يسجل خطبة من خطبه أوتلاوة من تلاوته القرآنية في الصلاة أو عندما كان يأتي زائرا في بيتنا ويجلس مع أبي -رحمه الله -في تلاوة متبادلة، ينتظر الشيخ خليل إشارة الشيخ عبد الحليم الطاهر ويصعد المئذنة التي تُعد من أجمل المآذن في عمارتها وشكلها الجمالي، ونحن تحت المئذنة نبحلق في البسطة الأولي حتي نري الشيخ خليل لكنه لا يكتفي بالبسطة الأولي وهي مرتفعة بل يعاود الصعود إلي أعلي المئذنة الشاهقة وكان ثوبه الأبيض يبدو أكثر بياضًا ونصاعةً، كان يتحمحم ثم يتمتم بكلمات لا نسمعها، وتشرئب أعناقنا إلي أعلي المئذنة، فلا ميكروفونات ولا سماعات آنذاك وفجأة يعلو صوت الشيخ خليل »‬الله أكبر» ونجري في سرعة فائقة كلُّ يتجه إلي بيته مبشّرا أهله الذين يتحلّقون حول الطبلية، ونحن نردد »‬افطر يا صايم» ثم يأتي السؤال اليومي »‬الشيخ خليل أذّن؟» ونجيب: نعم.. ويبدأ الإفطار الشهي علي التمر ثم نصلي المغرب جماعة.
رمضان في بلاد الألمان
أخذتُ البلح معي إلي ألمانيا ظنا أن ألمانيا لا نخيل بها وربما لا يبيعون التمر، اصطحبته معي، كان الطريق إلي جامعة بون حيث أدرس يمر بحديقة واسعة اسمها »‬هوف كارتن» وكان الطلبة إذا أشرقت الشمس- وهذا شيئ نادر في ألمانيا - يتمشون في هذه الحديقة، كنت أسكن في شارع يسمي »‬لينيه اشتراسه» واشتراسه بالألماني شارع أي »‬شارع لينيه» واكتشفت أن المستشرقة الألمانية الشهيرة آنا ماري شيمل التي كتبت 80 كتابًا حول عظمة الإسلام وسماحته تسكن في هذا الشارع بعد بيتين من البيت الذي أسكنه، وكان هذا مبعث سعادتي وكم كنت أفرح عندما نتصادف الذهاب سويًا إلي الجامعة، وتتوقف كل برهة وهي تردد أقوال جلال الدين الرومي عن حدائق المعرفة وعن الزهور المتكلّمة والأشجار التي تمشي معنا، وكانت تتكلم عن الأبنية العتيقة في جامعة بون وكيف تمّ بناؤها وكانت المسافة بين بيتها والجامعة أقل من كيلومتر كنا نقطعه في نصف ساعة لأن حديثها مشرق وروحها خلابة جذابة، والأعجب أنها كانت عندما تكلمني تخاطبني»يامولانا».. فأبتسم فتقول لي »‬أنت صاحب الخضر. فأنت مولانا...» الجميل في الأمر عندما عزَمتْني إلي بيتها قدّمت لي التمر في بيتها، وفي المرة الثانية أهديتها التمر الصعيدي، وأعجبتْ به كثيرا.
كان المستشار الثقافي المصري الدكتور محمد ابراهيم سالم أبا للجميع، يجمعنا كل شهر تقريبا في جلسة ثقافية وعندما جاء رمضان كنت أشعر بغربة بددها هذا المستشار الثقافي بحفل إفطار جميل في مكتب الملحقية الجميل الذي يطل علي »‬الهوف كارتن» وجامعة بون، وأحضر كل منا الكنافة والقطايف والتمر والزلابية والخشاف فأعادوا لنا أجواء رمضان المصرية ثم صلينا المغرب والعشاء والتراويح؛ ومن حسن طالعي أني عاصرت مستشارين ثقافيين مصريين يحبون مصر مثل الدكتور كمال والدكتور باهر الجوهري والدكتور علي الجميعي وغيرهم مما خففوا عنا عناء الغربة، وكان من الجميل أيضا أن نري ممثلي الأوقاف والأزهر الذين يفدون لقضاء شهر رمضان مع المصريين المغتربين، ولهم دور كبير في شرح مفاهيم الاسلام ومغزي رمضان مما يستدعي الجو الرمضاني المصري في مخيلة المغتربين.
في العين
تقع مدينة العين في إمارة أبو ظبي وهي المدينة التي وُلد بها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان-رحمه الله- وكان حاكما لها قبل أن يتولي مقاليد الحكم، وأنشأ بها أول جامعة في الإمارات وأسماها »‬جامعة الامارات العربية المتحدة» ونمت مدينة العين فصارت تباهي المدن الأخري إن لم تتفوق عليها، وقد زرع الشيخ زايد أكثر من عشرة ملايين نخلة علي جانبي الطرق بالإمارات كلها ومن حُسن حظ الامارات أنها صارت »‬واحة النخيل» بالإمارات، حيث النخيل في كل مكان، وكأنها كرم نخيل تتخلله بيوت، كان عشق الشيخ زايد للنخيل باعثا للاهتمام بالنخيل كما أقام »‬مهرجان التمر»، وكان هذا فرصة لنا لشراء أجود التمور بأزهد الأسعار، ولذا نخزّن التمر من هذا المهرجان حتي إذا جاء شهر رمضان خرجنا إلي حديقة »‬العين الفايضة» وهي مياه تخرج من الأرض ساخنةً تغدو دافئة في مراوٍ طبيعية بديعة نخلع أحذيتنا ونضع أقدامنا فيها حتي إذا أذن المغرب تجمعنا في الحديقة الواسعة وأفطرنا تحت النخيل وكأننا في نخيل العويضات.
في واشنطن
في الجامع الكبير بواشنطن أديت صلاة الجمعة، كانت هنالك أبواب إلكترونية علي أبواب المسجد، سألت الدكتور حسن عبدالحميد سليمان الذي كان مستشارا ثقافيا هناك.وهو من أنبل الناس الذين عرفتهم خلقا وسلوكا فأجابني لأن العرب يتعاركون في المسجد ويتشاجرون. كان معي الصديق الدكتور مأمون حمزة، ولا أنسي هذا الإمام الذي كان يُرتل القرآن في خشوع وجمال مقلدا صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وقد أحسست بجمال صوته وكأنه يمشي في رياض الجنة.
في القاهرة
في كل رمضان استحضر جو العائلة في قريتي العويضات بجمال »‬اللمّة» علي الطبلية، وهذا ما نفتقده في المدن، فالمدينة تعلي من قيمة الفرد الذي يذوب في المجتمع، فيحاول إيجاد ذاته من خلال نفسه غير متكئ علي قبيلة أو جماعة، ومن أجمل إفطارات رمضان بالقاهرة إفطار في مطعم قرب مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه، هذه أجواء لا تجدها إلا في مصر، وينبغي أن نحافظ عليها لأنها من تراثنا الجميل.
في النهايات تتجلي البدايات
قال الشاعرسعد القليعي في قصيدته »‬يا واحد»
شعر / يا واحدًا كم تعدّدْ، .. ويا عديدًا تفرّدْ
هبّ السراةُ،... وجدّوا، .. وبعدُ، لم تتزوّد،
وواصلوا السعيَ هونًا .. صوبَ السبيل المُمَهّدْ
وأنتَ، يا شِلْوَ روحي .. ممزّقٌ، ومشرّدْ
أَنَخْتَ للناسِ ظلّا، .. وسلسبيلًا مُبّرّد
وقُمْتَ جسرَ دموعٍ .. يدعو الشَّقِيَّ، ليَسْعَد
يا صِنْوَ كُلِّ الليالي .. ونجمَهَا المُتَفَرِّد،
فراهبٌ وشَقَاهُ .. قلبٌ إذا نامَ يَسْهَد،
نَخْلٌ علي راحتَيْه، .. وبينَ جنْبيهِ مسْجد،
غِزْلانُهُ في المراعي .. من بين جفْنيْهِ تَشْرُدْ
وصوْتُه حينَ ناجيَ .. صَدَي الهزيمِ المُرَدّد
وماؤهُ الحُرُّ،.... طينٌ، .. وطينُهُ الصَّفْو مَوْرِد
اسْلُكْ يديْكَ بِجَيْبٍ، .. تَخْرجْ نهارًا مُمَرّد
وقَطّعْ الطيرَ يأتي .. كَ من فجٍّ ومشهَد
وألقِ ثمَّ بهاكَ .. كَحَيّةٍ تتأودْ
وإذا الفراغُ تهاويَ .. كهَيْكلٍ، وتمدّدْ
والحُزْنُ أفْرَخَ حُزْنًا .. في عيْنِهِ.... سَيُغَرّدْ
يا مُحْدثًا وجديدًا، .. ويا قديمًا مُؤبد
يا صِنْو كُلِّ الليالي .. ونَجْمَها المُتَفَرّد
سكرانُ، والليلُ كاسٌ .. أرْغَي، وفارَ،..... وأزْبَدْ
نُدْمانُهُ والخَطَايا .. جنٌّ عَصَي،... وتَمَرّدْ
فَغصَّ بالماءِ نَهْرًا، .. وبالدماءِ تَعَمّد
وكانَ ثَمَّ سؤالٌ .. كَزَفْرةٍ يتَصعّد
ماذا بوسعِ وحيدٍ، .. تحتَ انهزامٍ مُجَسّد؟
يَئِنُّ أَنّةَ عانٍ .. أصْداؤها السُّودُ عُوّدْ
وحسرةٌ تتواري، .. بِحَسْرةٍ تَتَجَدّد
النّادمون سَتَخْبو .. آلامُهُم،.... وَسَتَخْمد،
وسَيَهْنأونَ بآتٍ .. ومُسْتراحٍ مُمَهّد
إذ ما مضي، سوفَ يمضي .. في كُلِّ يومٍ لأبْعَدْ
وعَلي الذي سوفَ يأتي . تَعَضُّ قلبًا توَقَّدْ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.