يبدو أن هيوارد كارتر كان رجلاً صبوراً جداً؛ والسبب أنه كان قد عثر علي مقبرة توت عنخ آمون في نوفمبر 1922م، لكنه لم يرفع غطاء التابوت داخل حجرة الدفن إلا في 28 أكتوبر 1925م؛ أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من تاريخ الكشف عن المقبرة! وهذا يدل علي أن الرجل لم يكن متسرعاً ولم يجر وراء إثارة مشاهدة المومياء، بل عمل بتأنٍ شديد جداً، ولم يصل إلي حجرة الدفن إلا بعد ثلاث سنوات من كشف المقبرة. كان العمل في البداية قد بدأ في 17 فبراير 1923م، بقيام كارتر بإزالة الكتل الحجرية من مدخل حجرة الدفن أو التي تقع بين الحجرة الأمامية وحجرة الدفن الواقعة إلي الناحية الغربية، وكانت المفاجأة أن وجد كارتر نفسه وجهاً لوجه أمام مقصورة ضخمة من الذهب يصل الطول إلي 4٫5 متر، والعرض 4 م، وبلا شك أن هذا الحجم قد ملأ الحجرة بالكامل، وإذا نظرنا إلي صورة للمقصورة داخل حجرة الدفن فسوف نري أن المقصورة تبعد عن حائط الحجرة حوالي متر واحد فقط.. أما المقصورة فقد اعتقد البعض أنها تشبه الدمية الروسية.. والمفاجأة الثانية أنه قد تم العثور داخل المقصورة علي ثلاث مقاصير أخري أصغر من المقصورة الكبري؛ كلها مصنوعة من الخشب المطلي بالذهب وتحيط أو تحتضن تابوتا من الكوارتزيت الأحمر مستطيلا ومزخرفا بأشكال منحوتة نحتا غير كامل لأربع آلهات مجنحات، ويفهم أن الآلهات ينشرن أجنحتهن لحماية الملك من الشر لكي يصل سليماً معافي إلي الحياة الأخري.. أما التوابيت الثلاثة التي تأخذ شكل إنسان بالوجه والتي عثر عليها داخل التابوت الحجري الضخم فقد وجد كارتر أن أول تابوتين مصنوعان من الخشب المطلي والدخلي من رقائق الذهب ويصل سمكه من 2٫5 إلي 3٫5 مليمتر، أما الوزن فيصل إلي 111٫5 كيلوجرام من الذهب، وذا أيد من الفضة.. وقد كشف كارتر أيضاً أن هذه التوابيت دخلت داخل بعضها البعض بحيث يكاد يوجد فراغ عبارة عن سنتيمترات بسيطة، وترقد المومياء والتوابيت الثلاثة الداخلية علي سرير منخفض مصنوع من الخشب المكسو بالذهب؛ وبأقدام ورأس أسد. وقد كشف كارتر عن مساحة ضيقة تُركت حول المقصورة الخارجية وفيها العديد من الأدوات منها 12 مجدافاً رمزياِ - أنوبيس (عبارة عن جلد حيوان مملوء بمحلول التحنيط)، وكذلك عثر علي العديد من الصناديق والعديد من أواني النبيذ.. أما المفاجأة فقد وجدت بعض هذه الأواني مسدودة تماماً وداخلها النبيذ. ويقال إن البعض قد قام بتحليل النبيذ واتضح أن نسبة الكحول الموجودة داخل النبيذ الفرعوني أكثر من نسبة الكحول المستعملة حالياً في صناعة النبيذ. عثر أيضاً علي مصباحين من المرمر الذي أحضره المصريون القدماء من »حاتنوب» المجاورة لتل العمارنة بالمنيا، والتي ترعرع فيها الملك »توت عنخ آمون» في حياته، وذلك طبقاً للأحجار التي عثر عليها في الأشمونيين والتي تشير إلي اسمه »توت عنخ آتون» ابن الملك، وعثر أيضاً علي باقة زهور جنائزية من أعشاب البحر والزيتون حيث تركت في ركن الحجرة.. قد نستطيع أن نري المعاناة في عملية الحفر، وخاصة لأن المقصورة تشغل حيز كل حجرة الدفن؛ ولذلك فقد استطاع كارتر بمهارة هو ومعاونوه أن يخرجوا هذه المقصورة دون أن يحدث للمقصورة أي تلف، والمفاجأة أن هذه المقصورة لم ترمم منذ أن رممها هيوارد كارتر والمرمم العبقري الفريد لوكاس.