ليس من حق المجلس العسكري ولا من حق أي مجموعة شبابية أو تيار سياسي أن يفرض وصايته علي الشعب بوضع ما يسمي بوثيقة المبادئ الدستورية أو حتي ضوابط اختيار اللجنة التأسيسية للدستور. قال الشعب كلمته يوم 19 مارس، وأقر خطة واضحة المعالم للمرحلة الانتقالية تبدأ بانتخابات نيابية ليقوم الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشوري باختيار مائة شخص للهيئة التأسيسية لوضع الدستور الجديد، ثم أخيرا الانتخابات الرئاسية، واي تعد علي إرادة الشعب هو أمر غير مقبول بكل المعايير الثورية والديمقراطية، فإذا كانت ثورة 25 يناير هي ثورة الشعب المصري كله، وإذا كانت الثورة بالأساس هي ثورة ضد القمع والتسلط وديكتاتورية الأقلية التي كان يمثلها نظام مبارك وحزبه، فإن من غير المقبول أن يتم القفز علي مبادئ الثورة ونحن لازلنا نعيش في رحابها. كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة -ولايزال - محل تقدير الشعب المصري، اعترافا بفضله وبدوره في حماية الثورة، وحماية الوطن، ولكن قبول المجلس لضغوط بعض الفئات والحركات السياسية المدنية التي تمثل أقلية داخل الأقلية السياسية لوضع وثيقة حاكمة لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية فيه افتئات علي الإرادة الشعبية التي جسدتها أصوات 18 مليون مصري في 19 مارس، وقبول المجلس العسكري لضغوط هذه الأقلية سيفتح شهيتها لمزيد من الالتفاف علي الإرادة الشعبية، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب للأغلبية للتحرك سلميا للدفاع عن خيارها، وسيجد المجلس نفسه في مواجهة مع الأغلبية التي وثقت به ، لكنها لم تمنحه توكيلا علي بياض للتلاعب بإرادتها. حين قرأ اللواء محسن الفنجري مساعد وزير الدفاع بيان المجلس الأعلي الأخير والذي تضمن فكرة وضع مبادئ حاكمة أو حكيمة لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية ومع رفض هذه الفكرة باعتبارها افتئات علي الأغلبية- إلا أن فريق الأقلية السياسية دفع باتجاه توسيع الفكرة لتشمل وضع وثيقة مبادئ فوق دستورية، وأعلن الدكتور أسامة الغزالي رئيس حزب الجبهة أنه قام بتسليم المجلس الأعلي مسودات كل الوثائق التي صدرت، وقد يكون من المقبول اعتبار هذه الوثائق من الأعمال التأسيسية للدستور، يستهدي بها عند وضع الدستور الجديد لكنها لاينبغي أبدا أن تكون ملزمة للأعضاء المنتخبين، لأن من وضعوا هذه الوئائق ليسوا منتخبين من الشعب، وإنما هي مجرد اجتهادات لأصحابها لاتلزم غيرهم إلا بقدر ما تتضمنه من اجتهادات مقبولة من الأغلبية. لقد اشترط المجلس العسكري لوضع هذه المبادئ الحاكمة أو الحكيمة حدوث توافق وطني عليها، وعند هذا الحد يمكن أن يكون الأمر مقبولا، أما محاولة تمريرها دون هذا التوافق إرضاء لأقلية تمتلك حنجرة قوية وفضائيات وصحفا يومية فسيدخل الدولة في دوامة لا تحمد عقباها.