الدستور أولا ... هو شعار هذه المرحلة الذي رفعته غالبية القوي السياسية في مصر ، واعتبرته أساس البناء الصحيح للدولة، والتف حوله جموع المواطنين حتي أصبح مطلبا شعبيا ، يقطع الطريق امام الفاسدين والطامعين في تحقيق مكاسب شخصية ، والضمانة الحقيقية للدولة المدنية التي ينشدها الجميع . حاورت «الاهالي» الدكتور محمود أباظة الرئيس السابق "لحزب الوفد"، للتعرف علي أولويات المرحلة الراهنة، وموقفه من الجدل الدائر حول وضع الدستور أولا أم الانتخابات . ويري اباظة أن قضية اعداد دستور جديد للبلاد، قبل اجراء اي انتخابات محسومة منذ قيام ثورة يناير ، والتي كان علي رأس مطالبها إعداد دستور جديد للبلاد، يحد من سلطات رئيس الجمهورية ، ويضع الضوابط والشروط الاساسية للانتخابات التشريعية والرئاسية، وأضاف ان إجراء الانتخابات علي دستور 71 المعدل، الذي تم احياؤه في صورة اعلان دستوري ، يعتبر اخلالا بالعقد الذي نشأ بين الشعب والمجلس العسكري، الذي تبني مطالب الثورة وتعهد بالعمل علي تحقيقها كاملة. وحول الادعاءات بالخروج علي الارادة الشعبية في الاستفتاء، قال أباظة من يدعي ان المطالبة بإعداد دستور جديد قبل الانتخابات، خروج علي نتائج الاستفتاء فهو مخطئ ، واصفا الاستفتاء علي مواد الدستور الذي اسقطته الثورة، بالخروج علي الارادة الشعبية ، التي طالبت بدستور جديد للبلاد قبل اجراء اي انتخابات ، متسائلا كيف يستفتي الشعب علي دستور أسقطه بيده ؟؟، كما أكد ان هناك تناقدات كبيرة بين المطالب التي نادت بها الثورة والصورة النهائية للاعلان الدستوري ، وارجع سبب هذه التناقضات للجنة التي صاغت التعديلات، واخرجتها بهذا الشكل تحمل نفس ارقامها في دستور 71 ، وأضاف: كان يجب خروج هذه التعديلات في صورة اعلان دستوري منفصل، بالاضافة الي بعض المواد التي تنظم الفترة الانتقالية، لحين وضع دستور جديد ، عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا مباشراً. وتساءل اباظة كيف يتم انتخاب مجلسي الشعب والشوري قبل وضع دستور يحدد سلطات هذه المجالس ، ويضع ضوابط وآليات انتخابهم ، فاذا اجريت الانتخابات قبل إعداد الدستور سيحتاج الامر الي حل المجلسين واعادة انتخابهم من جديد، علي الضوابط والسلطات التي حددها الدستور، كما وصف نص المادة رقم 60 من الاعلان الدستوري التي تضمن إعداد دستور جديد بعد الانتخابات ، بانه نص معيب وغير محدد المعالم ، لأنه لم يحدد ان كان اعضاء الجمعية التأسيسية من بين أعضاء المجلسين او من خارجهما . وأضاف: في حال اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية من داخل المجلسين ، فمن غير المعقول أن تأخذ سلطات اعلي من الاصل، وهما المجلسان مجتمعان، وفي حال تشكيل اللجنة من خارج المجلسين ، فهذا يحتاج الي نص لوضع آليات الانتخاب والترشيح ، فمعني انتخاب ان هناك مرشحين وهيئة ناخبة ، وهذا يحتاج الي نص واضح ومحدد المعالم. كما قدم اباظة روشتة عاجلة للفترة الانتقالية ، تبدأ علي الفور بانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، يتم انتخابها انتخابا مباشرا علي خريطة انتخابات مجلس الشوري، ويتكون عدد اعضائها من 176 عضوا، وبهذا يصبح التمثيل داخل الجمعية التأسيسية لجميع انحاء الجمهورية ، وفقا للدوائر الانتخابية لمجلس الشوري ، ويتم حل الجمعية بعد الانتهاء من إعداد الدستور واجراء الاستفتاء ، ثم بعد ذلك تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفقا لاحكام الدستور الجديد. وفي محاولة لرسم خريطة مصر السياسية الجديدة ، وصف محمود أباظة العقود الماضية قائلا ، عانينا معاناة شديدة من تمركز السلطة في يد رئيس الدولة ، وطغيان السلطة التنفيذية علي كل السلطات، وعلينا الآن إعادة التوازن بين السلطات ، وتحديد الصلاحيات والاختصاصات وفقا للنصوص الدستورية ، والحد من صلاحيات رئيس الجمهورية ، وحدد أباظة اربع سلطات رئيسية لرئيس الجمهورية ، يتفق عليها الجميع وهم :" المسئولية عن سلامة الوطن ووحدة اراضيه ، وحكم بين السلطات لا يسمح لسلطة أن تطغي علي الاخري، وضامن لاداء مؤسسات الدولة بانتظام ودوام، وممثل للبلاد في العلاقات الخارجية وابرام المعاهدات وفقا لاحكام الدستور " . وأضاف: مسئولية مجلس الوزراء هي وضع سياسة الدولة ، وهو المسئول امام البرلمان ، وهذا يقتضي ان يكون لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الوزراء، ولا يملك حق اقالته مادام يتمتع بثقة البرلمان ، وله حق تعيين الوزراء واعفائهم من مناصبهم ، بناء علي طلب رئيس الوزراء ، مضيفا ان القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية يجب ان تكون موقعة من رئيس الوزراء او الوزير المسئول حسب اختصاص هذه القرارات. وعن القوي السياسية المشاركة في المشهد السياسي، يري أباظة ان الاحزاب القائمة اما ان تزول ، واما ان تبقي، فبعد أن كان المتحكم في الحياة السياسية هو حزب واحد، وكان الخروج عليه بمثابة الخروج علي الدولة، وبعد حبس الاحزاب في مقارها، والتضييق الأمني الخانق الذي فرض عليها في العقود الماضية ، أصبح الشارع مفتوحا للجميع ، وعلي الاحزاب القديمة ان تتجدد وتواكب التغيرات الاجتماعية الجديدة ، مع الحفاظ علي ثوابتها حتي لا تفقد بوصلتها ، ويري أن الاحزاب الجديدة حتي تصبح احزابا حقيقية ستحتاج الي وقت كبير ، ويتصور ان هذه الاحزاب ستنشأ داخل البرلمان ، عن طريق تشابك المصالح ووحدة الاهداف .