أواصل اليوم ما بدأته في"إطلالة"الأحد الماضي من تدوين لوقائع ثورة 25يناير من فم واحد من فرسانها المبدعين ..الطبيب الشاعر الشرقاوي الدكتور إبراهيم العوضي الذي يقول: استمرت الأحداث الثورية في الزقازيق أيام 29 و30 و31 من ينايرالرائع، و أدركنا أنها ثورة كاملة الأركان عندما تأكدنا من أنها تعم كافة أرجاء البلاد، وأنها أصبحت تدار بنوع من الاحتراف. فكل مكان تتخذه مسرحاً لأحداثها، وبخاصة ميدان التحرير، يغلق بحائط بشري لتأمينه وتفتيش كل الداخلين إليه.. ويروي لي العوضي بعض المواقف التي استوقفته في تلك الأحداث عندما يقول: في الزقازيق، كان يسقط بلطجي أمام لجان التفتيش، كل خمس دقائق تقريبًا، ويتم تسليمه هو وسلاحه إلي الجيش. والغريب في الأمر أننا في تلك الأيام الثلاثة قبضنا علي عدد كبير من البلطجية، كان من بينهم عشرة من رجال الشرطة!، تعرفنا عليهم بعد التفتيش، عندما أخرجنا كارنيهاتهم من جيوبهم!. ويواصل الشاعر الدكتور إبراهيم العوضي استرجاع ذكريات الميدان قائلاً: تصور"محمول صول.. وطبنجة مقدم!"، فمع استمرار الأحداث في الزقازيق من 28 إلي 31 يناير، حدث أمران لهما العجب. الأول: صول في الشرطة تم القبض عليه، وأثناء تفتيشه فقد هاتفه الجوال، واكتشفنا معه سلاحًا أبيض، وبعد تسليمه إلي الجيش، أرسل إلينا جنديًا يطلب البحث بين الثوار عن هاتفه المحمول، وبالفعل عثروا عليه وتسلمه ليضرب الثوار مثلاً رائعًا في نظافة اليد، وعدم استحلال مال أحد، حتي وإن كان قادمًا ليذبحهم. الثاني: أن يتدني مقدم شرطة، وهي رتبة ليست صغيرة، ويسمح لنفسه بأن يندس بين المتظاهرين؛ ليتم الإمساك به في شكل مهين.. ولا أنسي المفاجأة التي أصابت الأخوة في الحائط البشري أثناء تفتيشه، وملامح الخزي التي كانت تكسو وجهه وهو يسلم إلي الجيش، فلم يسلم الأمر من اشباعه ببعض اللكمات، و"الشلاليت"، وكدنا نفتك به لولا توسل المنصة لعدم اصابته بأذي حتي نحفظ للثورة سلميتها.. ونصل إلي المليونية الأولي في ميدان التحرير، ويقول العوضي: في مساء 31 يناير تم التنسيق مع الثوار في التحرير ليكون الغد 1 فبراير مليونية في الميدان، كنوع من التصعيد ضد هذا النظام الذي تجرد حتي من الإحساس فلم يخرج علينا ولم يعرنا اهتمامًا، فكان التصعيد هو الحل، واتفقنا في الشرقية، وفي كل المحافظات، علي أن نقسم المحافظة إلي نصفين، نصف يشارك في المليونية، والآخر يبقي في ميدان المحافظة؛ حتي لا يخلو مكان من الثوار، علي أن يتم التناوب يوماً بيوم.. وكانت الرحلة الرهيبة..تجمعنا فجر الثلاثاء 1 فبراير أمام عدد ضخم من السيارات لنقل عشرات الألوف إلي ميدان التحرير؛ لتبدأ رحلة من أصعب ما واجهت في حياتي؛ فالطريق مملوء بالمسلحين، بشكل يوحي بأن هذا البلد المظلوم لا أصحاب له، وبدأ المسلحون يستوقفون فوج السيارات، يسألون عن الرُّخص، والأوراق الثبوتية.. وكنا لا ندري في كل مرة.. أهم بلطجية ..أم لجان شعبية؟ .. وكل ما أتذكره الآن مناظر السيوف التي تعيد إلي الأذهان عصر المماليك، وتلك اللحظات الصعبة التي نقضيها حتي يسمحوا لنا بالمرور. الحمد لله تخطينا كل الحواجز البشرية الصعبة حتي وصلنا إلي مدخل القاهرة من طريق الإسكندرية الزراعي، لنفاجأ بإعصار من البلطجية علي مشارف موقف عبود يمنعنا من المرور.. كانوا مدججين بكل أنواع الأسلحة، حاولنا التفاهم معهم فهددونا بالقتل، وهددوا سائقي السيارات بتحطيمها إذا استمروا في حركتهم دقيقة واحدة إلي الأمام.. وبالطبع خاف السائقون، وولوا أدبارهم، ونزلت الجموع الغفيرة من السيارات مجمعة أمرها علي الموت، أو الوصول إلي الميدان .. بدأنا بالتفرق في منطقة شبرا، علي أن يكون أكبر تجمع لنا من ثلاثة أو أربعة، وخاطرنا بأرواحنا سيرًا في شارع شبرا، في وقت حظر التجول.. لنري تقريباً كل 20 مترا أفرادا مسلحين بنفس السيوف، وكأنها نسخة واحدة وزعت عليهم. المهم أننا سرنا وسط هذا الجو الرهيب نردد الآيات المنجيات، وأوراد الاستغفار ليمنحنا الله من فضله مفاجأة، وهي أن المترو بدأ في العمل، فأسرعنا إليه كي نصل إلي ميدان التحرير لأول مرة في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 1 فبراير. بالفعل تدفق المصريون من كل مكان إلي الميدان، ونجحت المليونية في الاكتمال، بل وتخطت الأعداد المليون، والعجيب في الأمر أن المصريين لم يأتوا لمجرد المشاركة، بل لأن كلاً منهم يحمل حضارة امتدت عبر سبعة آلاف عام جاء لينشرها علي العالم عبر ميدان التحرير وهذا بعض ما أذكره من إبداعات المصريين في هذا اليوم. ونواصل الحكاية في الاسبوع القادم.