»لا أعتبر نفسي ظاهرة، مجرد كاتب جيد وصادق أحب القراء كتاباته، بالتأكيد سيأخذ وقته ويرحل، فلا أتوقع أن يكون له تأثير أكثر من عظماء مثل يوسف إدريس أو يحيي حقي مثلا، ولكن سأموت وأنا أقول لنفسي إنني جعلت كثيرين يقرأون ويهتمون بالأدب، وتعبت فيما أكتب سواء كان جيدا أو رديئا، لم أحاول خداع أحد!» بهذه الكلمات وصف الأديب الراحل د.أحمد خالد توفيق نفسه بنفسه، ولخص تجربته اللافتة التي حقق خلالها انتشارا واسعا بين أوساط الشباب التي تلقت كتاباته الشائقة بترحاب مذهل، وهو الكاتب الذي رسخ جذور أدب ما وراء الطبيعة والخيال العلمي في حديقة اللغة العربية، وحاول أن يرقي بروايات وقصص الرعب إلي أفق أكثر فنية وسموا وبراعة، وقد تنبأ في حوار أجرته معه الزميلة فادية البمبي منذ عامين باقتراب النهاية وبما سوف يتبقي منه، وما سيترسب في أعماق الضمير الأدبي من كتبه الرائجة، وعبر إجاباته عن أسئلة جريدة الأخبار أوضح الأديب الذي ودعناه مؤخرا أن المديح الذي ينتظره، والإطراء الذي يفضله بعد رحيله، هو أنه جعل كثيرين يقرأون، والغريب أن إحدي قارئاته وهي شابة حديثة السن سارعت بعد أن استقر في قبره، إلي وضع شاهد عليه وسطرت عبارة »رحمك الله يا من علمتنا القراءة» وكأن ذلك ما كان يبتغي الأديب الراحل والذي عبر عنه في حواره مع صفحة الأدب »بالأخبار»، ولكن أيعني هذا أنه نال التقدير الذي يستحقه من بلاد تكره الجحود؟، هل نال أحمد خالد توفيق التكريم اللائق به من وطن يستمسك بقيمة الإنصاف وما الذي يمكن تقديمه لاسمه بعد رحيله حتي نتدارك الأمر، ونحيطه ببعض التقدير لعطائه بعد وفاته؟، أسئلة توجهنا بها إلي عدد من نقادنا ومبدعينا المتأثرين به والعارفين بدوره. في البداية يقول الناقد الكبير د. سعيد توفيق: إن الأدباء في مصر يتم تقدير أعمالهم حين يرحلون عن دنيانا، وأري أن أفضل تكريم لأديب قد قدم لونا مختلفا في عالم الأدب هو ترشيحه لجائزة ضمن جوائز الدولة، أو عمل سلسلة ندوات تناقش أعماله الإبداعية، ورسالة جامعية تقوم بتحليل رواياته أو يكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورة 2019. ويقول الناقد الكبير والمترجم المتميز د.حامد أبو أحمد: أري أن هذا الأديب ظلم تكريميا في حياته، ومن وجهة نظري يجب أن تقوم الجهات التابعة لوزارة الثقافة مثل الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة بإعادة طبع أعماله الكاملة حيث يستطيع أكبر كم من القراء التواصل مع أعماله. ويقول الأديب الكبير د.نبيل فاروق: للأسف الأدباء في مصر لا يحصلون علي التقدير المناسب مثل الفنانين، وأري أن أفضل تكريم لأحمد خالد توفيق هو إنشاء جناح خاص يجمع كل مؤلفاته وإطلاق اسمه علي إحدي القاعات بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة. وفي الختام تقول الأديبة د.سالي مجدي: رحل من جعلني أحب القراءة منذ طفولتي وزرع حلما بأن أصير كاتبة يوما ما، رحل من زرع بداخل جيل كامل ثقافة وحباً للأدب »الفانتازيا» الراقي الخالي من أي فكر سيئ بعيدا عن الأطر القديمة للأدب، فهو أول من خلط بين الرواية والمعلومات العلمية والثقافية والتشويق اللامنتهي بقمة الذكاء والحرفية تجعل القارئ يتعلم وهو يقرأ رواية تشويقية، وترك جيلا يحب الكتاب ويقدره حق قدره وجيلا آخر من الأدباء يبدع بعد أن حفر بحبه بداخل أعماقنا ونحن أطفال ومراهقون آبارا من الموهبة دون قصد فظهر جيل مهنة الكتابة هي من ضمن قائمة طموحاته وأحلامه، رحل رفعت إسماعيل إحدي الشخصيات التي ابتكرها الأديب الراحل، الذي واجه كل الأساطير والرعب عبر العالم ولم يستطع أن يواجه شرور الدنيا وكآبتها، والدولة عليها أن تقدر ذلك الرمز الكبير وأن تقدر مكانته بقلوب الشباب، ففي حياته عاش متواضعا بعيدا عن الأضواء والإعلام قريبا من عقول الشباب حتي أنتج جيلا مثقفا بسببه واليوم جاء دور البلد لرد الجميل لذلك الرمز الجليل، وقد علمت أن دورة معرض طنطا للكتاب القادمة ستحمل اسمه وعلي شرفه وذلك ما أسعدني وانتظر الأكثر تخليدا له ولريادته.