خلافات غير مسبوقة، فرضت نفسها بقوة علي العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في ظل إصرار ترامپ علي سحب كامل قوات بلاده من سوريا، ورفض نتانياهو القاطع لإقدام واشنطن علي تلك الخطوة، محذراً من مغبة الفراغ الاستراتيجي، الذي يسمح للقوات التابعة لإيران بترسيخ وجودها العسكري في سوريا، وتهديد جبهة إسرائيل الشمالية. اشتعلت الخلافات خلال اتصال هاتفي، أجراه نتانياهو بالرئيس الأمريكي قبل أيام؛ ورغم أن الأول أشاد بدور الأخير بدعم أمن إسرائيل، والوقوف إلي جانبها في الاممالمتحدة، إلا أنه أبدي اندهاشاً من اعتزامه سحب القوات الأمريكية من سوريا، مستعرضاً تسريبات وصلت إسرائيل، يشير مضمونها إلي إصرار ترامپ علي سحب كامل قواته من سوريا في غضون 6 أشهر، أو فور القضاء نهائياً علي تنظيم »داعش»، فضلاً عن تعويل الولاياتالمتحدة علي قوات جديدة علي الساحة، كان آخرها القوات الفرنسية، التي وضعت رحالها قبل أيام شمال غرب سوريا. وفي ظل تلك التطورات، رأي مراقبون في تل أبيب حتمية التعاطي مع التهديدات الإيرانية في سوريا بأسلوب جديد، يسمح بالانفتاح علي جبهات أخري غير الولاياتالمتحدة، التي يعتزم رئيسها غسل يديه من الملف السوري. وفي مقاله المنشور بصحيفة معاريف، قال الخبير الاسرائيلي البروفيسور نمرود جورين، إن المصالح الاسرائيلية علي خطوط التماس مع سوريا، تلزم بضرورة دراسة إمكانية خلق حوار إسرائيلي-تركي عميق حول تحجيم الضلوع الإيراني في سوريا، لاسيما أن الخيارات التي تتعامل معها إسرائيل بهذا الخصوص »روسياوالولاياتالمتحدة» لم تعد كافية. وأوضح نمرود جورين، وهو زميل المعهد الاسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، أن خطوة الحوار الإسرائيلي-التركي، حتي وإن بدأت بمساعدة طرف ثالث، أو علي مستويات غير رسمية، وحتي إذا بدا في نهاية المطاف أنها لا تنطوي علي فائدة لإسرائيل، فلا ينبغي أبداً القفز عليها قبل ولادتها. وفي محاولة لتبرير طرحه، رأي الخبير الإسرائيلي أن تركيا تخشي زيادة النفوذ الإيراني في سوريا أكثر من اللازم، لكن ذلك لا ينفي التعاون والتنسيق بين حكومتي أنقرةوطهران في سوريا، وحرص كل منهما علي تمرير المصالح المشتركة بما لا يتعارض ومناطق النفوذ؛ فالتواجد العسكري الإيراني في سوريا لا ينعكس سلباً علي تركيا، وإنما يتمحور القلق التركي في تحول سوريا مستقبلاً إلي سوق لاستيعاب البضائع الإيرانية، لذلك تسعي إلي إضعاف العلاقات السياسية بين طهران ودمشق، ولعل تلك المواقف تشي بمصالح مشتركة بين إسرائيل وتركيا، لاسيما في ظل العلاقات الدبلوماسية المتينة مع أنقرة، فرغم الخلافات بين الجانبين في قضايا بعينها، إلا أنه من الممكن اختبار المصالح المشتركة بينهما في الملف السوري. علي الصعيد ذاته، حرَّض اعتزام واشنطن سحب قواتها من سوريا الخبير الأمني الإسرائيلي ديڤيد بريلخ علي مخاطبة المستويين السياسي والأمني في بلاده، وإلزامهما بحتمية الاعتماد علي النفس في ردع إيران وكذلك النظام السوري، للحيلولة دون تمركز إيران عسكرياً قبالة جبهة إسرائيل الشمالية. وأضاف: »نحتاج في ذلك إلي تطبيق سياسة »الدبلوماسية المفروضة»، التي تعتمد علي التلويح بالتهديد في إطار عمل عسكري خاطف، يمنع اندلاع مواجهة عسكرية تقليدية، وفي الوقت ذاته يحقق الأهداف السياسية المأمولة. عندئذ سيتفهم السوريون، أنهم يتعرضون للخطر عبر استهداف مواقع تابعة لنظام الأسد، وهو ما يؤثر سلباً علي مستقبله السياسي؛ أما الإيرانيون، فسيصبحون علي قناعة بأنهم لن يكونوا في مَنعَةٍ من إسرائيل، إذا ما واصلوا توسيع نطاق تمركزهم الجغرافي، وسيدركون أيضاً أنهم باتوا السبب الرئيسي في تعرض أهداف الرئيس بشار الأسد للخطر من قبل إسرائيل». ليس ثمة شك في أن وصية الخبير ديڤيد بريلخ، وهو أحد كوادر مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي قد تقود إلي خطر التصعيد العنيف أو بالأحري إلي حرب ضروس، لكنه يري أنه إذا اتضح حينئذ تجاهل إيرانوسوريا لتحذير إسرائيل، فإسرائيل علي أية حال في مواجهة فعلية علي تلك الجبهة، ومن الضروري اختبار إيران في الوقت الراهن، لاسيما قبل تجاوزها للعتبة النووية؛ كما أنه لا ينبغي تجاهل رد الفعل الروسي العنيف علي سياسة الردع الاسرائيلية، فالمراد فعلياً علي الأرض هو إلزام روسيا بكبح جماح إيران وحزب الله والنظام السوري، للحيلولة دون نشوب حرب محتملة، لكن ذلك يتطلب في الوقت نفسه تنسيقا استباقيا بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، بحسب الخبير الإسرائيلي. ■ محمد نعيم