ربما تلاقت الرؤي الإسرائيلية والأمريكية حول التعاطي مع الملف الإيراني عند مقارنة مقال نشرته صحيفة معاريڤ حول الاستراتيچية التي يمكن التعامل بها مع إيران، ووصايا الأجهزة الأمنية في الولاياتالمتحدة للرئيس الجديد ترامپ، ففي حين أكدت الأخيرة ضرورة »قلب نظام الحكم في الدولة الفارسية»، والاستعاضة عنه بآخر أكثر اعتدالاً، أملاً في تغيير سياسته الرامية إلي امتلاك قوة نووية، تبني مقال الصحيفة العبرية هذا التوجه، لكنه اختلف في الوقت ذاته حول الطريقة التي يدير بها ترامپ هذا الملف، معتبراً أن قراراته الأخيرة التي وضعت إيران في سلة الدول الست المحظور دخولها الولاياتالمتحدة، ستؤدي بالضرورة إلي الإخفاق في تغيير النظام الإيراني، وتقود التيارين الإصلاحي والمحافظ في طهران إلي الالتفاف حول النظام الحالي ضد أية تحرشات خارجية، لاسيما من الولاياتالمتحدة. وتشير معاريڤ في مقالها إلي أنه بعيداً عن ما قيل أو لم يقال حول الإشكالية الإيرانية خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة لواشنطن، ينبغي التركيز علي مصلحة الجانبين، وهدفهما الأعلي علي المدي المتوسط والبعيد. وفيما يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي، الذي يصفه الطرفان ب»السيئ جداً»، يتضح أنهما يتفهمان بأن الحديث يدور حول حقيقة قائمة بالفعل وهي أن الوضع »سيئ جداً»، وأنه من الأولي الاستفادة من الأهمية الكامنة داخل تلك الحقيقة خلال العقد القادم علي الأقل وحتي انتهاء فترة الاتفاق، فعندئذ تكون إيران طليقة اليد في دفع برنامجها النووي قدماً. أما علي المدي القصير، فتري الصحيفة العبرية أنه بات واضحاً تراجع إيران خطوة للخلف في برنامجها النووي، فأصبحت تمتلك عدداً من أجهزة الطرد المركزي أقل من الماضي، وكميات أقل بكثير من اليورانيوم المخصب، فالدولة الفارسية، وفقاً لمعاريڤ، لم تعد تمتلك منشأتين لتخصيب اليورانيوم، وإنما تحتفظ بمنشأة واحدة فقط. بالإضافة إلي ذلك استخرجت إيران نواة المفاعل، التي كان بإمكانها في السابق انتاج الپلوتونيوم الكافي لامتلاك سلاح نووي. الاكثر من ذلك بحسب الصحيفة العبرية هو أن عمليات التفتيش علي المنشآت النووية في إيران أصبحت أكثر من الماضي توغلاً وتأثيراً. أمام ذلك، لا ينبغي أن تتنازل الولاياتالمتحدة أو إسرائيل عن تلك الإنجازات، وكذلك الحال بالنسبة لدول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج والأردن ومصر، فلا تحتاج تلك الدول بحسب معاريڤ إلي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. لذلك لم يكن مصادفة أن يتلو البيت الأبيض بياناً بخصوص الاتصال الهاتفي الأول، الذي جري بين الرئيس الأمريكي ترامپ، والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، إذ قال البيان في حينه أن الطرفين أكدا علي ضرورة التأكد من أن إيران لن تخرق الالتزامات، التي قطعتها علي نفسها في الاتفاق النووي الموقع معها، وأن الرقابة علي مؤسساتها ستكون مشددة. من جانبه أكد النظام الإيراني التزامه بالاتفاق. وبالتالي لا ينطوي الحديث الدائر عن إجراء تعديلات في بنود الاتفاق علي أية أدلة. وأمام تلك المعطيات تري معاريڤ أن الإشكالية الاستراتيچية الحقيقية التي تقف أمام إسرائيل، هي كيفية التأكد من أن العقد المقبل سيعزز الأمن الإسرائيلي، بعيداً عن المساعدات العسكرية السخية، التي أدرجت في الاتفاق المبرم بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ووفقاً للصحيفة العبرية، ينبغي علي إسرائيل أن تحدد مصالحها بوضوح، لاسيما علي خطوط التماس مع سوريا والجنوب اللبناني، فلم يسمع أي إسرائيلي أو غيره عن أي جديد في تلك الموضوعات خلال زيارة نتانياهو لواشنطن، وربما يكون التعويل علي أنه سيتم التباحث حول تلك الإشكاليات في جلسات ثنائية قادمة، خاصة أن الدور المحوري الذي تلعبه إيران في سورياولبنان، لا ينبغي أن يظل علي حالته حتي اليوم الذي يُبرم فيه اتفاق لإنهاء »الحرب الأهلية» الدائرة في سوريا، وعودة مقاتلي حزب الله من سوريا إلي لبنان. أما المصلحة الإسرائيلية بعيدة المدي، فتكمن بحسب معاريڤ في أن السياسة الإيرانية لن تتغير طالما ظل نظامها الحالي باقياً، ولم يجر استبداله بنظام آخر معتدل. وبهذا المنظور فإن سياسة التهديد التي تتبعها إدارة ترامپ ضد إيران، وقرار منع مواطنيها من دخول الولاياتالمتحدة، ووضعها في مصاف دول مثل الصومال وليبيا، يضفي قوة علي المعسكر المحافظ، ويضعف في المقابل معسكر روحاني، الذي حاول الانفتاح علي الغرب. فللمرة الأولي منذ سنوات طويلة، يقف المعسكر الإصلاحي في إيران إلي جانب النظام ضد تهديدات الولاياتالمتحدة، ويعلن أن الشعب الإيراني يمكنه الاتحاد أمام التهديد الخارجي.