تصاعدت حدة القلق الإسرائيلي من التطورات التي فرضت نفسها علي الساحة السورية، لاسيما في ظل انحسار نفوذ تنظيم »داعش»، وفي المقابل عزوف واشنطن عن البقاء في سوريا بعد استعادة مدينة الرقة من قبضة التنظيم الإرهابي وما لاحظته تل أبيب من تبدل أولويات الرئيس ترامپ فلم تعد سوريا واحدة من اهتمامه وبدلا منها انغمس في معاركه الداخلية والخارجية حتي وصلت لكوريا الشمالية. وفي تفسيرها للموقف الأمريكي، رأت صحيفة هاآرتس أن تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، يعزز من انغماس إيران في هذا البلد، ويضاعف إحباط إسرائيل، خاصة في ظل تقديرات تل أبيب التي تؤكد اتساع دائرة التواجد الإيراني بديلاً عن التنظيم، وهو ما حدا برئيس الوزراء الإسرائيلي إلي التأكيد علي أن قوات حزب الله وغيرها المدعومة من إيران، ملأت الفراغ الذي تركه »داعش» في سوريا. في هذا السياق أوفد نتانياهو رئيس الموساد يوسي كوهين إلي البيت الأبيض علي رأس وفد يضم عدداً من الكوادر الأمنية والاستخباراتية، ومع ان الموضوع الرئيسي للمباحثات كان الوضع في جنوبسوريا إلا ان تلك المباحثات تجاوزت ذلك إلي ما هو ابعد وتطرقت إلي الملف الإيراني. ونقل كوهين لمسئولي الأمن الأمريكي تقديرات الموقف الاستراتيچي في تل أبيب، التي تشير إلي تنامي القوة الإيرانية بعد التوقيع علي الاتفاق النووي في 2015. وأضاف كوهين: »إسرائيل رصدت إلي جانب تواجد إيران وحزب الله في سوريا، قوات شيعية غير إيرانية تتوافد علي سوريا من مختلف دول العالم. وأمام ذلك فإن مهمة إسرائيل الأولي هي وقف هذا الزحف». وتطرق رئيس الموساد الإسرائيلي خلال اللقاء إلي اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، مشيراً إلي أنه في الوقت الذي تتواصل جهود تعديل الاتفاق، لازالت إسرائيل تتطلع إلي تفهم الموقف الأمريكي، خاصة أن نتانياهو أعلن غير ذي مرة معارضة إسرائيل أي تواجد لعناصر حزب الله وقوات إيران في سوريا، وأكد أن »داعش خرج وحل محله إيران وحزب الله». وتأتي زيارة الوفد الأمني الإسرائيلي إلي واشنطن في إطار الحوار المتواصل والمحادثات التقليدية بين إسرائيل والبيت الأبيض حول الإشكاليات الأمنية والاستراتيچية. لكن تلك الزيارة علي وجه التحديد بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت عكست اختلاف المواقف الإسرائيلية مع الإدارة الأمريكية حول اتفاق وقف إطلاق النار في جنوبسوريا، الذي أعلنته الولاياتالمتحدة وروسيا الشهر الماضي. وخلال اللقاء عرضت إسرائيل تحفظها علي الاتفاق، خاصة أنه سيجري بموجبه إقامة مناطق عازلة علي الحدود بين سوريا والأردن من جهة، وبين خط التماس السوري الإسرائيلي من جهة أخري. وتعليقاً علي هذا البند أبلغ كوهين حضور اللقاء الأمريكيين بضرورة إبرام اتفاق جديد يقضي بخروج أية قوات تابعة لإيران وحزب الله أو قوات شيعية أخري من المناطق العازلة. رغم ذلك نقل تقرير نشره موقع »واللا» العبري عن مصدر أمني إسرائيلي أن الوفد الإسرائيلي لم يحصل علي انطباع باعتزام الولاياتالمتحدة تعديل أو إبرام اتفاق مستقبلي يحمل المطالب الإسرائيلية، لكن المصدر الذي رفض الكشف عن هويته أضاف: »لن تتوقف الجهود الإسرائيلية الرامية إلي ممارسة ضغوطات علي واشنطن وموسكو لإخراج قوات إيران وحزب الله من المنطقة. الموضوع بالغ الأهمية ويحتل أولوية عاجلة علي جدول الأعمال الاستراتيچي الإسرائيلي». المباحثات الإسرائيلية الأمريكية لم تتطرق إلي إشكاليات سياسية وأمنية أخري في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن واشنطن تلقت منذ عدة أيام طلباً إسرائيلياً بعقد جلسة تتعلق بالملف السوري الإيراني، وأوصت من خلال صهر الرئيس الأمريكي جارد كوشنيير بتسريع وتيرة عقد اللقاء، الذي ضم من الجانب الأمريكي كبار الشخصيات في جهاز الأمن القومي الأمريكي، كما شارك في المباحثات سفير إسرائيل لدي الولاياتالمتحدة رون درمر، ورئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الچنرال هارتسي هاليڤي، ونائب رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي إيتان بن ديڤيد، ورئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية زوهر بلتي. وقاد مستشار الأمن القومي الأمريكي الچنرال مكماستر المباحثات بين الجانبين، وسبق وصول الوفد الإسرائيلي إلي واشنطن خطاب بعث به نتانياهو إلي البيت الأبيض، وجاء فيه: »اليوم تلقينا تقديراً للموقف حول الأوضاع في سوريا من رئيس الموساد يوسي كوهين، استعرض فيه مدي التحديات الأمنية التي نقف أمامها. سياستنا إزاء تواجد قوات إيران وحزب الله في سوريا واضحة. سنحافظ بكل الأدوات علي أمن إسرائيل. هذا هو ما سنفعله». • محمد نعيم