في بلدين يعتبر كلاهما أن الآخر علي رأس قائمة أعدائه, من الطبيعي أن تتحرك موجات التوتر بينهما مدا وجزرا ولكن ليس بالإمكان الحديث عن نهاية تنكسر عندها هذه الموجات, فإيران علي لسان قادتها السياسيين والروحانيين يرددون دوما أن الدولة العبرية نشأت بخطأ تاريخي وبشكل مفارق للواقع الثقافي والحضاري للمنطقة, وأنها لا يجب أن تبقي. فيما يري نظراؤهما الإسرائيليون أن النظام الثيوقراطي الذي يحكم إيران يجافي بسلوكياته وسياسته كافة القيم المدنية والحضارية, ويشكل استمراره خطرا علي الأمن والسلم الدوليين وأنه ليس بوسعه( أي هذا النظام) أن يستمر ومآله حتما إلي زوال. لعبة الجمع الصفريzero-sumgame بين البلدين هي التي تحكم قاعدة المواجهات المستمرة بينهما, ورغم ذلك يحرص البلدان علي منع المواجهة المسلحة بينهما ويستبدلونها بصراع بالوكالة. فإيران تستخدم نفوذها علي حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين لكي تزعج إسرائيل في حدودها الشمالية والجنوبية, وإسرائيل تحرض الولاياتالمتحدة وحلفاءها في أوروبا الغربية لفرض العقوبات والحصار علي النظام الإيراني تمهيدا لإسقاطه ورحيله بضغوط داخلية. متي تحدث المواجهة الحاسمة بين إسرائيل وإيران؟ نحن لا نريد خوض معركة مع إيران ولكن إذا دعت الحاجة فمن الأفضل أن تحدث حرب الآن.. هكذا صرح بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية مؤخرا. الجانب الإيراني علي العكس من ذلك يضع نفسه علي الدوام في جانب رد الفعل, فيهدد بمحو مدن إسرائيلية بالكامل حال تعرضه لهجوم عسكري إسرائيلي أو أمريكي, ولكنه يؤكد ولو بشكل غير مباشر ومتناقض علي أنه لا يسعي للدخول في مواجهه مع إسرائيل الآن أو غدا, وكأن وجهة النظر التي يتبناها الإيرانيون عن حتمية زوال إسرائيل لا تعني بالضرورة أن يكون لإيران يد في زوالها, إلا لو اختارت الدولة العبرية أن تكون البادئة بالعدوان!!! رغم ذلك تبدو السياسة الإيرانية أكثر اتساقا من السياسة الإسرائيلية, فعلي حين برهنت فكرة استخدام وكلاء إقليميين من جانب إيران للدخول في مواجهه غير مباشرة مع إسرائيل علي نجاحها كما يتبدي ذلك بوضوح في تكرار المواجهات العنيفة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة, وكما يتبدي كذلك في اضطرار إسرائيل لتوجيه اهتمامها المكثف جهة حدودها الشمالية التي يتمركز فيها حزب الله سواء في الجنوب اللبناني أو علي الأراضي السورية, فإن إسرائيل في المقابل كما عجزت في السابق عن إقناع الدول الكبري بضرب المفاعل الإيراني قبل اكتمال قدرته علي إنتاج أسلحة نووية, فقد عجزت عن منع الدول الكبري من توقيع الاتفاق النووي مع طهران عام.2015 ولكن ميزان المواجهة في الحرب بالوكالة بين الجانبين يبدو أنه أخذ في التحول مؤخرا لصالح إسرائيل التي تمكنت من توجيه عدة ضربات قوية وناجحة للقواعد العسكرية الإيرانية في سوريا, والأخطر من ذلك نجاح جهاز الموساد في الاستيلاء علي وثائق سرية من داخل إيران عن مشروعاتها النووية السرية. في إطار هذين التطورين الأخيرين يبدو أن مصداقية الردع الإيراني لإسرائيل قد باتت علي المحك, فإذا بقي موقفها مقتصرا علي إطلاق التهديدات الكلامية علي غرار ما صرح به في فبراير الماضي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام, محسن رضائي, في مهرجان نظمه الحرس الثوري: نحن نقول لنتانياهو في حال أقدم الكيان الصهيوني علي أصغر تحرك ضد الجمهورية الإسلامية, فإيران ستسوي تل أبيب بالأرض ولن نمنحه هو نفسه فرصة لله للهرب... فإن الصورة التي حاولت إيران تقديمها عن نفسها كقوة إقليمية عظمي سوف تتعرض للضرر الشديد وتصبح مثارا للسخرية والتندر, إذ كيف تعجز قوة عظمي إقليمية عن حماية أهم أسرار الدولة( سرقة أرشيفها النووي ونقله من داخل أراضيها إلي إسرائيل), والأهم كيف لدولة تطمح في تحقيق أهدافها الإستراتيجية بواسطة وكلاء إقليميين عن ردع منافسها ومنعه من تعريض قواعدها وخبرائها في سورياولبنان للخطر؟ الإسرائيليون يقللون من خطورة الرد الإيراني قال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق, رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب, عاموس يدلين في تصريحات له في الثاني من مايو الجاري: إن التهديد الرئيسي لإسرائيل خلال ما وصفه بشهر مايو المتفجر, هو نية إيران في الرد علي الضربات الجوية في سوريا, التي تنسبها لإسرائيل. واعتبر يدلين أن هناك ثلاثة خيارات رئيسية للرد الإيراني المتوقع, وهي: إطلاق صواريخ من إيرانوسوريا تستهدف إسرائيل, وهجوم بري من المناطق اللبنانية أو من الجزء غير المحتل مرتفعات الجولان السوري, وهجمات تستهدف الإسرائيليين في الخارج. ولكن يدلين نفسه يقلل من احتمالات تحقق السيناريوهات الأكثر إزعاجا لإسرائيل, بتأكيده أن الإيرانيين لا يفضلون إطلاق صواريخ مباشرة من إيران, لأن ذلك سيؤدي إلي حرب هم غير راغبين في نشوبها خلال هذه الفترة. كما استبعد أيضا أن يحرك الإيرانيون حزب الله في لبنان لتولي الرد علي إسرائيل نيابة عنهم, حيث لن يكون في مصلحة الحزب خوض هذه الحرب في وقت كان يستعد فيه للانتخابات اللبنانية. ولا يتبقي سوي الخيار الثالث أمام إيران, وهو شن عمليات إرهابية ضد المصالح الإسرائيلية في الخارج!.. ورغم أن يدلين يعتبر أن ذلك الخيار سوف تلجأ إيران إليه بالفعل, إلا أن ذلك يبدو مستبعدا, سواء لأن إيران تدرك أن ذلك سيخدم إسرائيل ولن يضرها, حيث سيؤكد تبني هذا الخيار من جانب طهران إنها دولة راعية للإرهاب ويجب محاصرتها ومعاقبتها دوليا, وهو ما لا تريده طهران بالتأكيد, أو لأن تبني إيران للأعمال الإرهابية ورعايتها لن يكون مفيدا عمليا في استعادة مصداقية الردع التي تضررت من سكوتها علي الضربات الإسرائيلية لقواعدها وجنودها في الخارج. خلاصة القول إن إيران باتت في مأزق حقيقي فالحرب المباشرة مع إسرائيل ليست في مصلحتها, والتشكيك في جدارتها الأمنية وقوتها الردعية لا يقل سوء عن الحرب المباشرة.. فأين الحل إذن؟