أكيد خطأ يمكن أن نقع فيه هو أن نتعامل مع الجيش، وتحديدا المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي أنه صار يمثل الآن السلطة البديلة للنظام الذي اسقطناه وهو نظام حسني مبارك.. وبالتالي نتعامل معه بذات الأسلوب الذي كنا نتعامل به مع النظام السابق ابان اندلاع مظاهرات ثورة يناير. صحيح ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة شاءت له الأقدار أن يتولي مسئولية إدارة شئون البلاد في فترة دقيقة وحرجة ومهمة من تاريخنا.. لكن الصحيح يقوم في وقت واحد بصلاحيات ومسئوليات رئيس الجمهورية السابق وأيضا بمهام وصلاحيات البرلمان الذي قام بحله.. بل علي العكس تماما فإن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يري ان مهمته تتمثل بالإضافة إلي حماية الأمن القومي للبلاد والحفاظ علي تماسك الدولة المصرية، في إنجاز عملية انتقال سلمي وآمن للسلطة.. تسليم حكم البلاد لسلطة يرفضها الشعب ويختارها عبر انتخابات حرة نظيفة مثلما قال المجلس ذلك في بياناته الأولي للشعب.. ولعل ذلك هو الذي يفسر حرص المجلس الأعلي علي عدم تحديد الفترة الانتقالية لسنة أو سنتين، أو حتي لبعض شهور إضافية، كما طالب ومازال يطالبه كثيرون حتي الآن.. كما لعل ذلك يفسر أيضا حرص رئيس المجلس وأعضاؤه علي الابتعاد عن ممارسة أي مظهر من مظاهر السلطة. ثم ان حقيقة الأمر أن الجيش منذ أن نزل إلي الشارع قد صار شريكا في هذه الثورة.. فهو لم يكتف فقط بتوفير الحماية للمتظاهرين بعد عدم التعرض لهم، إنما سارع منذ وقت مبكر، وبعد نزوله بيومين فقط بالإعلان بشكل واضح لا لبس فيه انه يتفهم ويتبني المطالب المشروعة للشعب المصري.. حدث ذلك ورئيس الجمهورية، الذي كان هو الرئيس الأعلي للقوات المسلحة، مازال في الحكم ولم يترك منصبه بعد.. وحتي قبل أن يتنحي مبارك عن السلطة أعلن الجيش في بيان للمجلس الأعلي له أنه يضمن تنفيذ مطالب الشعب، والتي كان يأتي علي رأسها المطلب الخاص بإسقاط النظام ورحيل مبارك عن الحكم. وهكذا.. صار الجيش شريكا للشعب في ثورته، وليس مجرد حاميا له.. ولا يقلل أو ينال من هذه الحقيقة بعض الادعاءات التي يرددها البعض من أن الجيش لم يكن أمامه غير ذلك، اللهم إلا إذا كان هؤلاء يقصدون أن الانحياز للشعب كان خيار الجيش الوحيد الذي وجده يحقق مصلحة البلاد وأمنها، وليس مصلحة المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. وذلك في ضوء المواقف الرافضة للقوات المسلحة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية لنظام مبارك، وأيضا المواقف الرافضة لمشروع توريث الحكم من الأب إلي الابن.. وهي مواقف بعضها مسجل في محاضر مجلس الوزراء، وبعضها كانت تشوبه تصرفات وسلوك جوقة مشروع التوريث الذين طالبوا مرارا بالتخلف من البيروقراطية التي تعوق تقدم البلاد، بما فيها ما أسموها البيروقراطية العسكرية.. وكان ذلك ردا انتقاميا من دعاة التوريث للجيش الذي رفض هذا التوريث. والتعامل بين الشركاء حتي وأن اختلفوا في الرؤي والتوجهات والمواقف له أصول وقواعد.. التعامل بين الشركاء يختلف عن التعامل بين سلطة ومعارضة أو سلطة وشعب.. وهذا للأسف ما لايستوعب البعض منا.. أو يستوعبه ولكن يطيب له أن يتصرف عكسه.. أي يتصرف وكأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو السلطة الجديدة البديلة لنظام مبارك.. والأكثر سوءا من ذلك أنها السلطة التي تعوق مسار الثورة وتحقيق أهدافها.. ولذلك بدأنا نسمع كلمات مثل تباطؤ وتواطؤ وتحايل.. وهذا هو الخطر بعينه والذي ادركه الثوار منذ اللحظة الأولي لنزول القوات المسلحة إلي الشارع حينما هتفوا قائلين: »الجيش والشعب يد واحدة«. لقد اثار انزعاجنا بشدة ذلك الانقسام الحاد والاستقطاب العنيف الذي شهده الشارع السياسي بين المطالبين بالدستور أولا والمطالبين بالانتخابات أولا، وأيضا بين المطالبين بدولة مدنية حقيقية والمطالبين بدولة نصف مدنية أو مدنية لها مرجعية دينية.. انزعجنا حينما تحول الخلاف السياسي بين شركاء الأمس في المظاهرات إلي خلافات كبيرة استخدمت فيها أسلحة التكفير والتخوين والإقصاء.. وظل البعض طوال الوقت وحتي الآن بالعودة إلي روح ميدان التحرير.. أي روح التآلف والتكاتف والوحدة. وبدأت الرؤية يجب أن تزعج بشدة من حدوث خلاف حاد أو صدام مع الجيش وأن ينفرط عقد الجيش والشعب.. لأن هذا الخطر بعينه الذي يهدد الثورة ويهدد الدولة المصرية.. ولعل ما يحدث حولنا أو بالقرب منا كفيل بأن ينبهنا إلي مدي فداحة هذا الخطر علينا. وليس معني ذلك أن نحبس في صدورنا بعض الملاحظات وبعض الانتقادات لقرارات أو مواقف للمجلس الأعلي للقوات المسلحة.. ولكن إدارة الخلافات بين الشركاء تختلف عن أسلوب وإدارة الخلافات بين أطراف تخوض صراع، أطراف بينها تناقض رئيسي لا يمكن ايجاد حل له إلا علي حساب أحد الطرفين، مثل التناقض الرئيسي الذي كان موجودا بين الشعب والنظام السابق، والذي تم حله بإسقاط هذا النظام. الشركاء يديرون خلافاتهم من خلال الحوار وأيضا التفاوض لا من خلال الصراع.. الحوار من شأنه إزالة الشكوك إذا تواجدت وإعادة الثقة إذا اهتزت أو اعتراض ما أدي إلي انخفاض درجاتها.. والتفاوض هو السبيل إلي الوصول إلي القوانين، مع العلم ان القوانين تجبر الجميع علي اعلاء شأن ما يتفقون عليه وتنحية الخلافات أو البحث عن حل وسط لها.. أليس هذا ما يحدث حاليا علي أرض الواقع في الشارع السياسي.. انهم الآن يبحثون عن توافق يتجاوزون به الخلاف حول أولويات المرحلة الانتقالية وأيهما يسبق الآخر.. الدستور أو الانتخابات، وذلك من خلال الاتفاق علي المبادئ الأساسية للدستور، وضرورة تمثيل كل القوي السياسية في اللجنة التي ستقوم بصياغة الدستور. ولعل هذا ما نتطلع إليه الآن بخصوص العلاقة بين الجيش والشعب أو بين الجيش والقوي السياسية المختلفة.. نتطلع إلي مزيد من الحوار والنقاش يجنبنا صداما يمثل خطورة علي الثورة وعلي الدولة المصرية وأمنها.. ونتطلع إلي توافق، يتم من خلال تفهم متبادل لوجهات النظر من خلال الحوار، خاصة وأن ما يؤرق ويزعج القوي السياسية ليس عسيرا أن يجد المجلس الأعلي للقوات المسلحة حلولا لها، من خلال اتخاذ قرارات سريعة لتطهير بعض المرافق وعلي رأسها الشرطة، واختيار نظام القائمة النسبية في الانتخابات، وحث القضاء علي اختيار دوائر خاصة لمحاكمة قاتلي المتظاهرين.