عندما تنفرد كل صباح بالجديد، فأنت المتدفق.. وعندما يكون معك في الساحة العشرات، ولا يري إلاك، فأنت المسيطر.. وعندما يشهر سلاحك المئات يوميا، ولا يصيب الا أنت، فأنت الفارس والبطل. وعندما تجعل من قليل العبارات والالفاظ فيضانا من المعاني، وشلالا من الافكار، فأنت المتفرد.. وعندما تكون نصف كلمتك هي الاشمل والأعم، رغم مئات.. بل آلاف الكلمات لغيرك.. فأنت أحمد رجب الاسطورة مستحيلة التكرار.. نعم.. أنت أحمد رجب صاحب الرصيف الاخر من شارع الصحافة. والذي لا ينازعك فيه سواك.. أما الرصيف الثاني في الشارع فيجلس عليه الكثير والكثير من الكتاب واصحاب المقالات والاقلام.. نعم كلهم يكتبون ويفكرون ولهم كل التقدير والاحترام. ولكن القارئ يغسل وجهه ليزيل اثر النوم، ثم تمتد يده الي »الأخبار« ليفتحها علي مكان نصف كلمتك ليطالع من خلالها الدنيا واحوالها.. فيضحك من قلبه رغم ان ما فيها كثيرا ما يبكي علي واقعنا المر الذي تتناوله فتكشف المستور بليل الظلم والجهالة والطغيان.. وهذه هي عبقريتك التي تجعل وسط الظلام الحالك النور الساطع، ووسط الظلم الصارخ العدل الناجع، ووسط المأساة تضع الملهاة.. ان ما تكتبه كل صباح يغدو طعاما يشبع الجائع للمعرفة وزادا يغني الباحث عن العدل. وترياقا يشفي غليل المنتظر لاخذ حقه. ولهذا كله فأنت جائزة يومية لملايين القراء قبل ان تكون فائزا بجائزة النيل في الاداب تلك الجائزة التي علا بك قدرها، وتشرفت بمنحها لك.. وإن كان من شيء يقال فهو »الحمدلله كثيراً.. أنها لم تمنح لك قبل هذا العام لأن اسمها كان سيضر باسمك، ومكانتها ستهبط بقدرك ومنزلتك«. إن جائزة النيل في الآداب اخذت من اسم »النيل« التدفق والجريان عبر كل أفريقيا وحتي البحر المتوسط.. وكم هي إذا مناسبة لأن تمنح لأحمد رجب ذلك المبدع الذي يتدفق يومياً بأمواج الفكر والمعرفة ويأتي من عقله وفؤاده فيضان السخرية والابتسامة الذي رغم إغراقه لمصر أحياناً.. فإنها تحبه وتتمناه باستمرار. أما السر الدفين الذي أريد أن يكشفه لنا أي مكتشف للنفس الانسانية فهو لماذا تفرد أحمد رجب- دون سواه- بهذا الاسلوب الساخر الضاحك الباكي الكاشف المشاكس.. إن اكثر من 60 عاماً هي عمر أحمد رجب الصحفي كانت كافية بأن يظهر فيها 01 أو 5 أو حتي اثنان من الكتاب يستطيع أيهم محاكاة أحمد رجب في تميز أسلوبه وخفة ظله.. ولكن هذا لم يحدث وأنا لا يمكنني الا أن أقول إن أحمد رجب واحد من العمالقة الافذاذ الذين لا يتكررون.. وهل جاءت في مصر الآن أم كلثوم جديدة؟.. بالطبع لا.. هل جاء للشباب وللكبار مطرب في حجم ومكانة عبد الحليم حافظ؟.. بالطبع لا.. هل جاء العقاد أو طه حسين أو د.مشرفة.. أو..؟ لم يأت بعد أي منهم.. إذا فهذه هي العملقة التي لا تتكرر وان تكررت فلن تكون نفس النسخة السابقة بل تأتي نسخة مختلفة تماماً في الاسلوب وفي الشكل، وفي المضمون، وفي السمات وفي الظهور علي الساحة.. المتفرد لا يتكرر وهذا هو أحمد رجب الاخبار وأخبار اليوم.. وإن شئت الدقة والانصاف.. فقل الأخبار وأخبار اليوم أحمد رجب. ولقد أمسك يدي هاجس التفرد الذي يعيشه أحمد رجب فمنعني عن الكتابة.. لماذا لان هذا هو قدر الرجل وقدره ومكانته، فمن أنت؟.. ولعلي توجست من الرد الفوري، ففكرت طويلاً ثم قلت: أنا.. أنا لي عظيم الشرف أنني اصبحت أدخل كل يوم من باب مبني الاخبار وذلك منذ 82 عاماً.. في حين أنه نفس الباب الذي يدخل منه العملاق والاسطورة المتفرد أحمد رجب. أراه كل يوم وهو يدخل الي مكتبه ويخرج الي منزله.. ومن جاور السعيد يسعد.. ومن جاور الحداد ينكوي بناره.. أتيه وأفتخر أن كلمة اكتبها تنشر في صفحة من صفحات الجريدة التي ينتظرها كل يوم ملايين المصريين والعرب والمستشرقين والعلماء في كل الدنيا ليقرأوا ما خطه رجب الاسطورة المتدفق الذي لي منه شرف التلمذة وله مني كل التوقير والاكبار والدعاء بطول البقاء وتجدد الافكار.