ما يفعله النظام السوري ضد شعبه منذ بداية الانتفاضة الإصلاحية التي سرعان ما أصبحت ثورة شعبية شاملة ليس بدعة ولا اختراعا جديدا. فأسهل شيء لإحداث الفوضي وصرف الأنظار عن التظاهرات الشعبية ضد غياب الحقوق وانتهاكاتها. هو إثارة الفتنة الطائفية والدينية وإرهاب الأقليات. لم يأت نظام الأسد بجديد عندما »لجأ إلي اثارة الفتنة الطائفية وتخويف الأقليات عامة والعلويين خاصة من أن السنّة قادمون لتقتيلهم«. كل الأنظمة الشمولية العربية لجأت الواحد تلو الآخر إلي هذا الأسلوب لقمع الانتفاضات وكتم الآراء وقصف الأقلام، مع اختلاف التسميات والمعتقدات الدينية والمذهبية والسياسية. والسؤال الآن: »هل نجح النظام السوري في تنفيذ خطته المهترئة؟«. الإجابة عن السؤال قرأتها في بيان مهم أصدره »المثقفون المسيحيون السوريون« سخروا فيه من محاولة إثارة الفتنة وتخويف الأقليات من خلال ترديد أكاذيب باطلة لا تقنع إلا الجهلة، حيث تعيش جميع مكونات الشعب السوري منذ مئات السنين بشكل متعاون لم يفرق بينها إلا المستعمر والمستبد. وأضاف البيان نقلا عن موقع »سورية الحرية« مشيرا إلي أن النظام الحاكم حاول قمع الانتفاضة بالعنف والقتل والاعتقال والدبابات والمدافع ونهب البيوت، إلي جانب الإعلام العاهر الذي حاول تكفيرها وتقزيمها واطلاق الشائعات التقسيمية والتفريقية ووصف التظاهرات بأنها تضم السلفيين والمندسين والحثالة! وهاجم بيان المثقفين المسيحيين من سماهم ب»الشبيحة« من رجال السياسة والدين والإعلام والفنانين، الذين أمرهم نظام الأسد بالتطاول علي المعارضين الوطنيين وتقزيم أعدادهم وتحجيم انتشارهم باعتبارهم »مجرد عشرات أو مئات علي الأكثر من السلفيين المندسين الذين سيقتلون الأقليات ويسبون نساءهم ويمثلون بجثث أطفالهم«. وردا علي هذه الأكاذيب قال البيان:[إننا كمثقفين مسيحيين نُكذب هذه الأقاويل ونؤكد أن المسيحيين كغيرهم من أطياف الشعب السوري الواحد يخرجون في المظاهرات السلمية وسقط منهم شهداء وهذا مدعاة فخر أن تمتزج دماؤهم بدماء اخوتهم المسلمين السنة والعلويين والاسماعيليين والأكراد والسريان والأشوريين]. وانتقل البيان مخاطبا عموم المسيحيين [الذين يسيطر النظام علي عقول البعض منهم بالتجهيل والشائعات والعناوين الكاذبة عن السلفيين وغيرهم، لنقول لهم: إن أية سلفية أرحم وأقل جورا من هذه العصابة الحاكمة الفاجرة. عشنا مع اخوتنا المسلمين 51 قرنا، ولم نختلف يوما إلا بفعل المستعمر أو المستبد]. واختص البيان رجال الدين بمن فيهم المسيحيون فناشدهم [رفض التعاون مع النظام الحاكم، وألا يتحولوا بدورهم إلي »شبيحة«، لأن أمام رجال الدين مهمة دينية يمارسونها مع ربهم بعيدا عن موائد النظام، ومهمة إنسانية يجب ممارستها وهي الوقوف مع المظلوم ضد الظالم]. واختتم بيان المثقفين المسيحيين منبها إلي أن [النظام الغاشم فجر كنيسة زحلة لنشر البلبلة، كما خرب الكثير من الكنائس في حماة بانياس وغيرها من المدن. ورغم ذلك فإننا نقول للنظام: لا بأس(..) لأننا لا نساوم علي حرية شعبنا وكرامته]. بيان لا يخاطب السوريين وحدهم، ولا يخص المسيحيين السوريين فقط، وإنما يتسع في رأيي ليخاطب كل الشعوب الباحثة عن حريتها والمطالبة بحقوقها بشرط المساواة ونبذ التفرقة بين سنة وشيعة، أو بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي، أو أيضا بين سلفي وليبرالي وعلماني.