التعداد الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ل 2017، كشف أرقاما صادمة للأمية في مصر، بلغت 25.8%، وترتفع بين الإناث إلي 30.8% بالمقارنة بالذكور 21.2%، وإجماليا لدينا 21 مليونا و900 ألف أمي، بزيادة 1.4 مليون شخص عن تعداد عام 2006، والنسبة الغا من يتسربون من التعليم ويصل عددهم إلي 5 ملايين و986 ألف متسرب سنويا يصبح الرقم 28.8 مليون مصري غير ملتحقين بالتعليم كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وبحسب التعداد فإن محافظة الجيزة تتصدر محافظات مصر في عدد الأميين، بنحو 1.597 مليون أمي، تليها البحيرة، وبها 1.597 مليون شخص أمي، ثم المنيا، في المركز الثالث ب 1.497 مليون أمي ثم الشرقية، بنحو 1.378 مليون أمي، وجاءت القاهرة في المركز الخامس، بعدد 1.259 مليون أمي، بينما محافظة جنوبسيناء، أقل المحافظات في الأمية، لقلة عدد السكان. »الأخبار» بحثت في جولة ميدانية بمحافظة الجيزة أعلي محافظة في نسبة الأمية، واقع الأزمة وأسبابها والجهود التي تبذل لمواجهتها. فصول الأمية انطلقنا وسط شوارع وحواري ريفية غير ممهدة كانت طريقنا إلي عالم فصول محو الأمية بالجيزة، سيدات انطوت أعمارهن بين ابتسامات الصبايا، وتجاعيد النساء التي رسمت سنوات من الشقاء علي وجوههن، وأخريات يحملن بين أيديهن أطفالهن وباليد الأخري يمسكن بالقلم ليزرعن به مستقبلا مثمرا ويمحون سنوات من الأمية، ورجال اختفوا من المشهد وفضلوا حمل الفئوس، أو العمل اليدوي لحصد لقمة العيش عن استصلاح العقول ومحو أميتهم.. رحلة »الأخبار» في قري الجيزة لاكتشاف عالم محو الأمية علي أرض الواقع رصدت العديد من النماذج المشرقة، إلا انها رفعت الغطاء عن مشاكل وأزمات مثل عمالة الأطفال والتسرب من التعليم، والزواج المبكر وغيرها من القضايا التي تقف عقبه أمام حلم محو الأمية نهائيا. الساعة 9 صباحاً تحركنا عبر حواري وشوارع منطقة ميت رهينة وقرية بهروم ومنيل شيحة بالجيزة لحضور فصول محو الأمية، وخارج مبني جمعية الرعايه الاجتماعية يجذب انتباهك أصوات لسيدات ينطقن حروف اللغة العربية، تدخل القاعة الرئيسية وعلي يسارها باب آخر ينقلك إلي فصل محو الأمية الملحق بها، سيدات يجلسن علي كراسي خشبية يرددن خلف المُدرسة التي تشير علي لوح الفصل » باء فتحة، باء كسرة، باء ضمة »، وجوه الطالبات تكشف أعمارهن التي تتراوح بين 15 و40 عاماً ومنهن من تخطي إلا أن الفئة العظمي في مرحلة الشباب، أصواتهن لم تكن الوحيدة، ففي آخر صف بالفصل كان صوت الرضيع »وجدي» يدندن مع المدرسة كأنه يردد مع الطالبات، تحمله والدته رشا محمود 36 سنه بين يديها وتمسك باليد الأخري قلما تكتب بها في كراستها لتتعلم نطق وقراءة الحروف، وقالت إنها بدأت حضور فصول محو الأمية حتي تستطيع أن تذاكر لأبنائها يوسف »5 ابتدائي» ونور »أولي إبتدائي» ومن بعدهم شقيقهم الرضيع »وجدي»، وأنها بدأت دروسها منذ شهر يناير الماضي، وعن أسباب تسربها من التعليم قالت إنهن في الأرياف يتزوجن مبكراً ويعملن منذ الصغر مع أسرتها سواء في الزراعة أو البيع بالسوق، لذلك لم تكن هناك حاجة لتكاليف التعليم والمدرسة. »الجهل وحش» جلست »هناء» في الصف الأول لفصل محو الأمية تشارك مع زميلاتها تعلم نطق الحروف ، عيناها تملأها الأمل في مستقبل أفضل مبني علي التعلم والقراءة، قالت إنها منذ الصغر لم يهتم أحد بتعليمها ومعظم الفتيات لا يذهبن للمدرسة وإذا كان حظهن أفضل قد يدخلن المدرسة حتي انتهاء المرحلة الابتدائية أو الإعدادية ثم يتركن المدرسة ليعملن مع الأسرة ويتزوجن، ومع مسئوليتها كأم اكتشفت »هناء» ان أطفالها في المدارس يحتاجون من يساعدهم في دروسهم، وبدأت تشعر ان هناك الكثير من أسئلة أطفالها لا تستطيع الرد عليها. » الجهل وحش » هكذا وصفت »هناء» إحساسها عندما تقف عاجزة أمام استفسارات أطفالها أو أثناء وجودها في الشارع تحاول ركوب أتوبيس لاتستطيع حتي أن تقرأ محطاته، أو عندما تحاول الاتصال بأحد لا تتمكن من قراءة اسمه علي هاتفها فتضطر للجوء إلي أي شخص عابر يساعدها في مهمتها الصعبة رغم بساطتها. أنا وابنتي قصة عبير عاشور داخل فصول محو الأمية بدأت أحداثها مع ابنتها »شذي» التي تدرس في 3 ابتدائي، أصرت الأم علي دخول ابنتها إلي المدرسة حتي لا تعاني في الحياة وتصبح كل خطوة في حياتها تمثل مشكلة بسبب عدم قدرتها علي القراءة أو الكتابة، إلا أن تدرج ابنتها في التعليم كشف مشكلة جديدة جعلت »عبير» تتخذ قراراً مصيرياً في حياتها الالتحاق بفصول محو الأمية حتي تستطيع مساعدة ابنتها في القراءة ومذاكرة المواد الدراسية معها، بعد أن أصبحت الأمية عائقاً يكسر العلاقة بين الأم وابنتها، وعن وجودها داخل فصل محو الأمية قالت إن المسئولين عن المكان يقفون بجوارهن سواء في الفصول أو خارجها حيث يوفرون لهن العلاج والندوات التوعوية بالإضافة إلي حوافز عينيه مثل الشنط التموينية من زيت وسكر وغيرها حتي يساعدوا الطالبات في حياتهن. رحلة الدبلوم ووسطهن تجلس رشا شعبان 34 سنة، رغم أنها اجتازت عقبة أميتها واستطاعت محوها، منذ سنوات ونجحت بعدها في تجاوز المرحلة الابتدائية والاعدادية وتدرس حالياً بالسنة الأولي دبلوم صناعي قسم تكييف وتبريد، إلا أن حضورها فصول محو الأمية هدفه التدريب فهي تريد ان تصبح مستقبلاً مدرسة في فصول محو الأمية التي منحتها الأمل في أن تغير حياتها وتحصل علي شهادة تعليمية تمكنها من الحصول علي وظيفة. وانتقلنا بعد ذلك لفصول محو الأمية »الحقلية» وسط أشجار النخيل المثمرة وأعواد الذرة التي مازالت في مرحلة النمو جلست » أم نور» تتعلم القراءة في أحد فصول محو الأمية » الحقلية»، تجاعيد وجهها لم تكشف فقط عن عمرها الذي دخل العقد الخامس، بل كشفت أيضاً ملامح الشقاء والمعاناة التي ارتسمت علي تفاصيل وجهها الطيبة، ردودها الفطرية تدل علي تواضع مستوي التعليم لديها، لكنها حملت في طياتها معاني التحدي والإصرار، »أم نور» كانت الأكثر حرصا للإجابة علي أسئلة المدرسة، بعض الإجابات كانت تعرضها لابتسامات ساخرة ممن حولها، لكن في الحقيقة هي من كانت تسخر من الجميع بقوة عزيمتها وحرصها علي تدوين الملاحظات بقلم رصاص لايتجاوز طوله عقلتي أصبع في كراسة مدرسية صغيرة قد تكون اقترضتها من أحد أحفادها.. » بعد ما شاب ودوه الكُتّاب» جملة تسمعها » أم نور» بشكل يومي تقريباً إلا أنها أكدت أن تلك الجملة هي التي دفعتها لتعلم القراءة حتي تثبت ان قطار العلم لم يمر مادام في العمر بقيه، وأنها ستتعلم القراءة لتكون قدوة لأبنائها وتثبت فشل من كان في الماضي يسخر منها. أجور ضعيفة جزء كبير مما يتم إنجازه داخل فصول محو الأمية يقع علي عاتق المسئولين عن الفصول والمدرسين الذين يواجهون مشاكل أخري أبرزها قلة التمويل وضعف الأجور والعادات المجتمعية الخاطئة والروتين في التعامل مع الهيئات الحكومية.. ليلي سطوحي مدرسة في أحد فصول محو الأمية حاصلة علي دبلوم تجارة حصلت علي عدد من الدورات التدريبية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني حتي تتمكن من التدريس، مشاكل كثيرة سردتها » ميس ليلي» كما يناديها طلابها، أبرزها ضعف الأجور فهي تحصل علي مرتب 230 جنيها شهرياً من هيئة محو الأمية وفي العديد من الأوقات يتأخر صرفه، وقالت إن هناك مشاكل خاصة بالعملية التعليمية مثل صعوبة إقناع السيدات لحضور فصول محو الأمية فنسبة قليلة تشارك بنفسها والباقيات يجب تقديم حافز لهم سواء ماديا أو خدميا للحضور، بالإضافة إلي العادات المجتمعية مثل تسريب الأطفال من التعليم والزواج المبكر وعمل الأطفال مع الوالدين في الزراعة او التجارة يجعل استقطابهم لفصول محو الأمية صعبا فالطفل أو الشاب يعمل نظير مقابل مادي يعطيه لأسرته، ولا يمكن استقطابه إلي فصول محو الأمية إلا بتوفير مقابل أو حافز أو خدمة تجعله حريصا علي الحضور. حافز الحضور ممسكاً بأوراق تحتوي علي جميع بيانات فصول محو الأمية أكد محمد جزر رئيس جمعية الرعاية الاجتماعية والتي تضم فصلاً لمحو الأمية ان السيدات هن الأكثر في الحضور حيث يستقبل الفصل 27 سيدة فيما يقارب عدد الرجال 10 ولا يلتزمون بحضور الفصول ويتم الاجتماع بهم في جامع القرية بعد انتهائهم من أعمالهم، وعن المشاكل التي يواجهها قال إن عادات المجتمع الريفي من زواج مبكر وعمالة في سن صغير تجعل الجميع يعزفون عن التعليم من اجل الحصول علي لقمة العيش ولذلك قام من خلال جمعيته بمنح حوافز معنوية مثل كراتين الزيت والسكر والمواد التموينيه، توفير أطباء للكشف وصرف الأدوية وغيرها من الحوافز الشهرية والتي من دونها قد لا يحضر سوي أعداد قليلة لفصول محو الأمية، وأشار إلي أن هناك العديد من المشاكل التي يواجهها مثل روتين بعض أجهزة الدولة مثل وزارة التربية والتعليم والتي تضيق الخناق علي خريجي محو الأمية من اجل إلحاقهم بالمرحلة الابتدائية مما يصيب الدارسين بالإحباط، بالإضافة إلي قلة التمويل الذي يقتصر علي تبرعات ودعم منظمات المجتمع المدني، ففصل محو الأمية الذي يضم 27 طالبة يكلف الجمعية 3 آلاف جنيه شهرياً. » نواجه تحديات كثيرة ».. هكذا أكد عصام محمد مدير فرع هيئة محو الامية بالجيزة ان المجتمع الذي ترتفع به نسبة الأمية معظمها ريفية سواء بالقاهرة الكبري أو الدلتا أو الصعيد، ولتلك المجتمعات عادات اجتماعية تصعب مهمة القائمين علي محو الأمية منها زواج الفتيات المبكر الذي يجبرهن علي عدم التعليم أو التسرب منه، وعمالة الأطفال سواء في سوق العمل أو مع الوالدين، وهو ما يجعل العديد من الأسر تفضل العمل من أجل لقمة العيش عن دخول المدرسة أو الانضمام إلي فصول محو الأمية.