منتصف شارع 26 يوليو مرورا بشارع بولاق الجديد، وحتي الشوارع الجانبية علي كورنيش النيل، تمتد منطقة الوكالة، أشهر مناطق بيع الملابس المستعملة في مصر، أو ما يعرف بتجارة البالة. حيث لا يكتفي أصحاب المحال بالمساحات المخصصة للبيع، بل يمتد الي عرض الملابس علي الأرصفة أمام المحال، ويقوم أصحاب المحال، والعاملون فيها بالنداء علي المارين، في محاولة لجذب الزبائن. الأسعار تبدأ من خمسة جنيهات، بالنسبة للبضاعة المعروضة علي شماعات في الشارع، وتصل إلي 400 جنيها، للملابس الحريمي المعروضة داخل المحال. ويتردد علي هذه المنطقة الآلاف يوميا لشراء احتياجاتهم من الملابس المستعملة، حيث توجد كل أنواع الملابس التي يمكن أن تحتاجها الأسرة المصرية، من ملابس أطفال وسيدات ورجال. وإن كان أغلب الزبائن المترددين عليها من الفتيات والسيدات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين سن 18 وحتي ال70 البيع لا يقتصر علي الطبقات الفقيرة، فكل الطبقات في مصر تتردد علي هذه المنطقة، حيث إن »كثيرا من الزبائن من الموظفين، وحاملي المؤهلات العليا، وطلبة الجامعات من الطبقة الوسطي» كثرة المترددين من الزبائن علي منطقة الوكالة توحي بأن نسبة كبيرة من المصريين يقدمون علي شراء الملابس المستعملة، وهو ما يمكن أن يمثل منافسة لأصحاب محال الملابس الجديدة. حيث توفر هذه المنطقة بضاعة جيدة ومستوردة، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الملابس الجديدة بشكل مبالغ فيه. وقد شهدت هذه الاسوق رواجا لسنوات عديدة حتي بدأ الكساد يهاجمها بسبب ارتفاع اسعار الدولار حيث يتم استيراد البالة من الخارج بالدولار وكان المصريون يخجلون من الذهاب إلي اسواق البالة حتي لايعلم احد ان ملابسهم مستعملة اما الان وفي ظل ارتفاع اسعار الملابس الجديدة اصبح شراء الملابس المستعملة امرا عاديا لا يثير الخجل. الأمراض الجلدية شائعة محمد الباهي »تاجر ملابس مستعملة بوكالة البلح »فيقول ان شراء الملابس المستعملة لم يعد مقتصرا علي الفقراء ومحدودي الدخل فقط كما كان بل تغير الوضع ليشمل اصحاب الدخول فوق المتوسطة والاغنياء مضيفا ان الفقير يبحث عن الخامة والسعر اما الزبون الغني فيبحث عن الماركات العالمية والجودة ويقول ياسر عبد الرحمن »صاحب محال »ان الملابس المستوردة تكون من مناشئ عالمية مؤكدا ان تجارة البالة تزدهر في الشتاء مشيرا إلي ان لكل محل زبائنه الذين يواظبون علي شراء البالات وعن سبب ازدهار بيع ملابس البالة في الشتاء يقول في الصيف لايحتاج الانسان الا الي قميص وبنطلون اما في الشتاء فتزداد الحاجة إلي الجواكت والمعاطف. ويؤكد عاطف السيد »تاجر ملابس مستعملة »ان شائعة الاصابة بالأمراض المعدية يروجها التجار الكبار واصحاب المحلات التجارية الكبيرة التي تدفع باتجاه منع البالات لان تجارتهم اصابها الشلل والكثير من التجار اغلقوا محالهم نتيجة بحث الناس عن كل ماهو رخيص وجيد ومناسب بالاضافة إلي ان الازمة الاقتصادية انعشت سوق البالة من جديد ثم ان معظم الزبائن يعقمون ويغسلون تلك الملابس.ويضيف ان الملابس تأتي معقمة ولا خوف من ارتدائها واضاف ناصر الصادق عامل بأحد محال الملابس المستعملة ان اسعار الملابس يتم تحديدها حسب الماركة والجودة والخامة فنحن لانشتري الملابس المستعملة بالقطعة ولكن نشتريها بالكيلو داخل بالات حيث تجد ملابس سعرها يبدأ من 5 جنيهات لكن جودتها تناسب الطبقة الفقيرة اما الطبقة الوسطي فيقبلون علي الملابس التي تبدأ من 30الي 250 جنيها وهناك ايضا انواع من الملابس الاوربية المستعملة تبدأ اسعارها من 100 جنيه إلي 200 جنيه تقول ليلي محسن »مدرسة» ان اسواق »البالة»هي اسواق الفقراء ورحمة لذوي الدخل المحدود والمعدومين في المجتمع وفي هذا السياق اعربت »فادية عبد السلام » »ربة منزل »عن عدم ترحيبها بفكرة شراء الملابس المستعملة قائلة اعتدنا ان نتصدق بالملابس المستعملة لدينا وارجعت انتشار هذه الظاهرة إلي ارتفاع الاسعار والظروف الاقتصادية واتفقت معها »رشا حامد» مدرسة قائلة الاسعار غالية ولكن لن أرتدي ملابس مستعملة الافضل شراء ملابس جديدة او عدم الشراء مطلقا واضاف عصام يسري »محام» اننا لانعلم مصدر الملابس المستعملة ولانعلم الحالة الصحية لصاحبها وهذا يؤدي إلي انتشار الاوبئة والامراض اما حسام نوار »محاسب» يري ان اسواق ملابس البالة فكرة رائعة لانها تساعد الشباب الذين لايستطيعون شراء ملابس جديدة »خلي العيال تفرح »هكذا بدأت »ام سيف » ربة منزل حديثها مضيفة بقالي 4سنوات بنزل اسواق الملابس المستعملة اشتري منها ملابس الشتاء والصيف والاعياد مشيرة إلي ان السبب وراء ذلك هو مستوي دخلها هي وزوجها وان اسعار ملابس البالة الآن اصبحت غالية مهربة من الجمارك يقول (ع.م) احد المستوردين بمنطقة بورسعيد ان استراليا واوربا يعتبرون المصدر الرئيسي لجلب الملابس المستعملة قبل توزيعها علي مختلف الاسواق حيث تصل يوميا من هذه الأسواق مئات الأطنان من الملابس المستعملة والمتنوعة يحمل بعضها ماركات عالمية مسجلة من مستوي رفيع من الجودة العالمية، وهي في حال جيدة قابلة للاستعمال لمدة طويلة، كما يتم العثور في الكثير من الأحيان علي ملابس جديدة لم تستعمل أبدا أو بها عيب خفي يتم التخلص منه من طرف الشركة المنتجة. هذه الملابس المستعملة المهربة التي تدخل الأسواق وتلقي إقبالا كبيرا لدي المواطن المصري من مختلف الفئات المجتمعية، تتضمن جميع قطع الملابس الخاصة بالأطفال والنساء والرجال، إضافة إلي الأحذية الصيفية والشتوية والأحزمة العادية والغريبة. ويؤكد ان عملية الاتجار في هذه الملابس تقطع مراحل عديدة من مصدرها حتي وصولها إلي يد المواطن المقتني لها، من مختلف بلدان أوروبا، حيث يتم جمعها بعد أن يتخلص منها أصحابها وتباع لشركات متخصصة في ترويجها وتصديرها إلي الخارج، بعد فرزها حسب النوع والجنس والسن ووضعها في رزم علي شكل »بالات»، ثم بيعها للمتاجرين في الملابس المستعملة. يقوم كبار المهربين ببورسعيد لهذه الملابس المستعملة بجلبها بطرقهم المختلفة والمتنوعة وتخزينها. تخضع هذه البضاعة المهربة لسلسلة تجارية تبدأ بما يسمي »البال» عند مروجيه، حيث يتراوح وزن »البالة» الواحدة ما بين 30 إلي 80 كليو، منه »الروماج» وهو البال المتضمن لألبسة مختلفة خفيفة الوزن خاصة بالأطفال، »بال» المعاطف الثقيلة الشتوية، »بال» البدل الرجالية، »بال» الملابس الرياضية و»بال» ألبسة النساء…، أي يخضع لنظام التخصص في الألبسة. وتأتي مرحلة التعبئة والضغط وهنا يختار مستورد الملابس الاوروبية لون الغلاف وتكون غالبا تلك الملابس الاوروبية 3 درجات يتم اختيار درجة لون حتي يتم تمييزها بعد الشحن لمخازنهم. وتعد مدينة بورسعيد من أكبر الأسواق المصرية المتخصصة في ترويج الألبسة المستعملة المهربة لكونها منطقة حرة ويضيف (م.ج)احد مستوردي البالات ان هذه الملابس تأتي من مصدرها بالكيلو، وتصل إلي الأسواق حيث تباع ب»البال» قبل أن تعرف وجهتها إلي تجار التقسيط أو بالوحدة، حيث اختص العديد من الباعة في هذه التجارة وفتحوا محلات تجارية خاصة بترويج هذه الملابس بعد تنظيفها وتجفيفها وكيّها وعرضها بطريقة جذابة، لكن بأثمنة مرتفعة مقارنة بما هي عليه في الأسواق حيث تعرض بالأكوام. مع العلم أن تجار البال قد يخسرون في صفقاتهم بحيث يشترونها كما هي دون فتحها وجودة محتوياتها تبقي في حكم الحظ علي »البال» ويؤكد أن هذا النوع من التجارة يعتبر مصدر رزق عشرات الآلاف من المواطنين المصريين سواء التجار أو الزبائن من جميع فئات المجتمع، لما تمتاز به هذه الألبسة من جودة وأثمان مناسبة جدّا لجميع الجيوب وقال التاجر إن لديه زبائن من طبقات راقية يحتفظ لهم بالبدل الموقعة التي تصله ضمن البضائع، مشيرا إلي أن الملابس المستعملة تعد من أهم الأنشطة التجارية والاقتصادية في السوق المصري واشار الي أن بعض المحظوظين يعثرون علي مبالغ مالية من العملة الصعبة داخل جيوب الملابس، الأمر الذي يدفع الآن تجار الملابس لإخضاعها لعملية تفتيش دقيقة قبل عرضها علي المواطنين. تأكل جلود المصريين وتحذر د.هند سعد زغلول استشاري جلدية وتناسلية من استعمال الألبسة المستعملة والتي هي في الغالب مستوردة بالأطنان نظرا لثمنها البخس، والتي لا تخضع لمراقبة وتوضح أن هذه الملابس تكون مصدر أمراض جلدية عند استعمالها بدون غسيل وكي، وهي أمراض طفيلية وفيروسية كما أن هناك أمراضا مثل البق والبراغيث والتنيا الجلدية وتضيف أن الملابس غير القطنية فقد تسبب الإكزيما الجلدية أو الحساسية الجلدية، اما الأحذية المستعملة يمكن أن تحتوي علي فطريات وتسبب مرض (التنيا) هذه الملابس المستعملة تحتوي علي طفيليات وميكروبات تسبب الحساسية الجلدية وفي بعض الأحيان الحساسية في الجهاز التنفسي، والتي تنتقل إلي جسم الإنسان بمجرد ارتداء هذه الملابس ولمسها، وهذه الطفيليات حسب الأنواع تكون في مرحلة (الحوصلة) وأخري في حالة الكائن. فسوء التخزين والنقل وتعرضها لعوامل البيئةيجعلها سببا في الاصابة بالعديد من الامراض. وتتفق معها د.مروة لاشين بان هذه الملابس ضارة جدا وخصوصا عند الأطفال صغار السن والنساء وكبار السن، علي اعتبار ضعف جهاز المناعة لديهم. كما أن بعض الملابس قادرة علي نقل أمراض معدية جدا كالجرب والقمل والقراد، وبعض الملابس المصبوغة ببعض المواد الكيماوية المختلفة قد تسبب بعض الأمراض الجلدية أثناء تخزينها ونقلها وعرضها في ظروف تغيب فيها النظافة. وأوصت باقتناء الملابس من محلات معروفة لأنه في حالة وجود عيب فيها يستطيع الزبون إعادتها وحتي إن اقتضي الأمر مقاضاة صاحب المحل، كما يجب تجنب استعمال الألبسة المستعملة لكن إذا اقتضت الضرورة الاقتصادية أو الاجتماعية، علي مستعمليها مراعاة بعض الإجراءات الخاصة، منها غسل الملابس الداخلية وعدم خلط الملابس كلها وكي الملابس غير الداخلية. ويوصي الأطباء بضرورة فرض رقابة علي هذا النوع من البضائع المحلية والمستوردة، وكذلك الاهتمام بالتعقيم وتطهير الملابس بصورة صحيحة لتفادي انتشار الأمراض. وأكدوا أن هناك فطريات لا يتم القضاء عليها بمجرد غسل الملابس، وبالتالي فهي ناقل فاعل للعدوي، خاصة التنيا، وتنصح د.لاشين المريض أن يتخلص من جميع ملابسه واستبدالها بملابس جديدة لضمان القضاء نهائيًا علي المرض لا نعرف مصدرها صرح اسماعيل جابر رئيس هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات انه لايعلم مصدر الملابس المستعملة الموجودة في مصر وذلك لعدم خضوعها للجمارك ولا للفحص من قبل الهيئة . وأكد ان قرار وزير الصناعة والتجارة الخارجية رقم 384لسنة 2012بتعديل لائحة القواعد المنفذة لأحكام قانون الاستيراد والتصدير تلزم المستورد باستيراد الملابس الجديدة فقط. وأضاف ان الاشياء المسموح باستيرادها مستعملة من الخارج تقتصر فقط علي الاجهزة الكهربائية وقطع غيار السيارات. صرح يحيي زنانيري رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية بالقاهرة، ان الملابس المستعملة تمثل 10% من حجم السوق المحلي مشيرا إلي ان هناك منافسة كبيرة بين المستوردين للملابس المستعملة والمنتج المحلي ويؤكد أن عمليات التهريب أضرت بالصناعة المحلية والنهوض بصناعة الملابس. وكذلك الملابس الجاهزة المستوردة من الخارج بطرق شرعية. وأضاف »زنانيري» إلي أن التهريب في ظل صدور قرارات بصفة مستمرة وعشوائية أصبح أفضل وأرخص من التاجر، ومحاولة للهروب من البيروقراطية والروتين المصري. وأشار»زنانيري» إلي ضرورة استغلال فرصة تقليل الاستيراد للملابس المستعملة من الخارج، والعمل علي زيادة الإنتاج وتطوير المنتج المحلي وتقديم أفضل منتج للمستهلك المصري. وأضاف أن بعض المنتجين والمصنعين المصريين عندما يجدون أنفسهم في السوق بمفردهم دون وجود بديل ارخص وأفضل من المنتجات المستوردة، يقومون بإنتاج سلع أرخص وأقل جودة باعتبار أن المستهلك لا يملك بديلا آخر، مشددا علي ضرورة احترام الفرصة وهي تقليل المستورد والنهوض بصناعة الملابس وأكد لويس عطية نائب رئيس شعبة الملابس أن تجار الملابس المستعملة يحصلون علي هذه البضاعة من خلال أبناء مدينة بورسعيد، الذين يحملون بطاقات تتيح لهم استيراد كمية تتراوح ما بين 15-20 طنا من الملابس، في كل مرة يسافرون فيها، ويتكلف الطن من 100 ألف جنيه إلي 200 ألف . أما عن الطريقة التي يحصل بها أصحاب البطاقات علي هذه البضاعة من الخارج، فيقول التاجر إن هناك من يقوم بتجميع الملابس المستعملة من الشوارع، أو صناديق القمامة، بعد استغناء أصحابها عنها، ويتم توجيهها إلي معامل متخصصة،. وبعد الانتهاء من عملية الجمع يتم فرز البضاعة، وتصنيفها تبعا لجودتها، حيث يتم تسعير الملابس حسب درجة جودتها. ويصف لويس هذه التجارة »تجارة غير شرعية»، تمنعها منظمة الصحة العالمية، نظرا لأنها تساعد في نقل الأمراض، »فالمستهلك يقبل عليها من فقره»، علي حد تعبيره. ويحذر عطية من التعامل مع هذه الملابس، إذ يري أنها تمثل »خطرا صحيا»، لأن من يقدم علي شرائها لا يعرف أي أنواع من الأمراض كان مصابا بها المستخدم الأول لهذه الملابس.