هل كان قرار ترامب الأخير بشأن القدس قرارا سياسيا لدعم الحليف الاستراتيجي إسرائيل؟ مازالت ترن في أذني كلمات الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان وهو يقول »أتطلع إلي اليوم الذي أمد يدي في يد السيد المسيح بعد عودته إلي الأرض«. كانت البداية في بريطانيا أولا ثم في الولاياتالمتحدة بقيام حركات دينية إنجيلية انطلاقا من معتقدات خاصة تتلخص في الإيمان الراسخ بعودة المسيح، وبأن هذه العودة مشروطة بقيام دولة «صهيون» وبالتالي يستلزم ذلك هجرة وأحيانا «تهجير» اليهود من مختلف بقاع الأرض وتجميعهم في أرض فلسطين، ثم دعمهم ومساعدتهم. وكذلك الإيمان بأنه لا بد من محرقة عظمي (هرمجدون) يذوب فيها كل أولئك الذين ينكرون المسيح من الملحدين والشيوعيين العلمانيين. ومن أهم وأقوي تلك الحركات من يُعرفون بجماعة «الافتقاد الإلهي» أو «التدبيرية»، التي تؤمن أن أسفار الكتاب المُقدس تضع نبوءات واضحة حول كيفية تدبير الله لشئون الكون ونهايته، كعودة اليهود إلي فلسطين وقيام دولة إسرائيل، وهجوم أعداء الله علي إسرائيل،وتدمير المسجد الأقصي وبناء الهيكل مكانه وأخيرا وقوع محرقة هرمجدون النووية. تضم هذه الحركة أكثر من أربعين مليون أمريكي، معظمهم من النافذين الذين يلعبون دورا كبيرا في صياغة القرار الأمريكي، حيث تُسيطر الحركة علي قطاع واسع من المنابر الإعلامية الأمريكية، ويشارك قادتها كبار المسئولين الأمريكيين في البيت الأبيض والبنتاجون، ووزارة الخارجية وشئون الأمن القومي، حتي أن رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق كان عضوا بارزا في تلك الحركة، وتلاه جورج بوش الأب والابن وهو نفس الخط الذي يمضي فيه ترامب بقراره الأخير. إن التدبيرية أصبحت تُعيد صياغة السياسة الأمريكية، وتُقسم العالم إلي محاور للخير وأخري للشر،ولعل هذا يعيدنا إلي تصنيف أمريكا في عهد كلينتون وأوباما بعض الدول إلي محاور للشر كما حدث مع كوريا الشمالية وإيران مثلا. هنا يكمن قرار ترامب الأرعن سياسيا المتطرف دينيا رغم ظاهره البعيد تماما عن أي مظهر يربطه بالتدين.إنه يوقع الخطوة الأخيرة ويستكمل أمنية ريجان الرئيس الذي بدأ حياته ممثلا في هوليوود وقاد أمريكا ثماني سنوات تحكمت فيه خلالها أخلاقيات الكاوبوي فأشعل سباقا نوويا مع الاتحاد السوفييتي وقطع الحرب الباردة.هذا الممثل السينمائي غير الناجح تولي التبشير والتجهيز للتحالف الديني بغطاء سياسي بين الصهيونية والإنجيلية مؤكدا قناعاته بقوله:» إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل هرمجدون قد تحققت، ففي الفصل 38 من حزقيال أن الله سيأخذ أولاد إسرائيل من بين الوثنيين حيث سيكونون مشتتين ويعودون جميعهم مرة ثانية إلي الأرض الموعودة. لقد تحقق ذلك أخيرا بعد ألفي سنة، ولأول مرة يبدو كل شئ في مكانه بانتظار معركة هرمجدون والعودة الثانية للمسيح». هل نعلم الآن أين يقف ترامب وأين يقف العالم كله من تفكيره الصهيوني الديني المتطرف؟