[email protected] بمناسبة التحركات الجماهيرية الحالية، من وقفات احتجاجية ومظاهرات واعتصامات.. عادت بي الذاكرة الي التحركات الجماعية ايام شبابنا.. ابناء جيلي عاصروا زمن الليبرالية الوطنية، بمظاهراتها الصاخبة، التي لم تكن تنقطع يوما، منذ الاعداد لأول انتخابات نزيهة عام 9491، ادارتها حكومة محايدة برئاسة حسين باشا سري، بإيعاز من الانجليز، لكي يأتي حزب الوفد.. وجاء الوفد أول عام 0591فتصاعدت المظاهرات واتسعت، وبلغت ذروتها في عيد الجهاد يوم 31 نوفبر 1591.. كانت مظاهرة صامتة ضمت اكثر من مليون تقدمها النحاس باشا وجميع زعماء الاحزاب. وكانت حدثا مدويا في العالم. واستمرت المظاهرات لتبلغ ذروتها الاخيرة يوم 62يناير 25، غضبا علي جريمة القوات البريطانية بالعدوان الوحشي علي رجال بوليس مصر الابطال في الاسماعيلية.. لانهم يشجعون الفدائيين علي مقاومة الاحتلال. وهو اليوم الذي نفذت فيه المخابرات البريطانية اكبر جريمة في حق مصر وشعبها: حريق القاهرة. وعاد الكبت، والاحكام العرفية، والاعتقالات لمدة ستة أشهر. وقامت حركة الجيش يوم 32 يوليو 2591 .. وانفجرت اكبر حركة مظاهرات شعبية تلقائية شملت مصر كلها، تأييدا للثورة، واستمرت المظاهرات حتي وقعت الخلافات عام 45 وانتهي عصر المظاهرات، لتحل بدله الاحكام العسكرية والاعتقالات التي استمرت طويلا باستثناء ما صاحب العدوان الثلاثي 6591 والوحدة المصرية السورية 8591 ومظاهرات رفض تنحي عبدالناصر يومي 9 و01 يونيو. لكن الشعب الذي تجاوز محنة النكسة يومي 9 و01 يونيو، واصر علي الصمود اثارت شجونه أحكام قادة الطيران التي رآها أقل من ان تشفي غليله فهبت لأول مرة مظاهرات تتحدي القيود، احدي هذه المظاهرات نزلت من ميدان رمسيس الي شارع الجلاء. وعند مبني الاهرام، تعالي هتافه »خدعتنا يا هيكل.. ضللتنا يا هيكل« وبغض النظر عن الحقيقة، فإن ذلك كان شعور المتظاهرين. ومضت المظاهرة حتي بلغت ميدان التحرير، والهتافات تتصاعد. عندئذ حاول رجال الأمن المركزي تعطيل المظاهرة من الوصول الي منطقة وزارة الداخلية فاذا بشاب يهتف »يسقط وزير الداخلية« ثم »يسقط شعراوي جمعة، طبعا ارتعب ضباط الأمن، وأمروا باستخدام العنف. فهتف الشاب »بتشطروا علينا.. واليهود في سينا« أوجع الهتاف ضمائر رجال الأمن، لكنهم وجدوا أنفسهم في موقف صعب. عندئذ تصرف أحدهم محاولا وضع حد للهتافات الصعبة، فرفع يده بمسدسه مهددا. هاج المتظاهرون، وهتف شاب: »يا دي العار، يا دي العار..مصري بيضرب مصري بنار«. انزل الضابط يده، وتواري. ولمحت دمعة تسقط من عينه. فقد كنا جميعا جيش وشرطة وشعب في حزن عميق. ثم جاء استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان القوات المسلحة يوم 9 مارس 9691، وكان تشييعه يوما مهيبا. تقدم الجنازة الرئيس جمال عبدالناصر وكبار رجال الدولة، والتحمت بها الجماهير التي امتلأت قلوبها بالاعتزاز بالقائد، والحسرة علي فقده. وفي لحظة لا ادري كيف وقعت، فقد كنت كغيري اسير مطرقا، مدفوعا بمن خلفي. اختلط المواطنون برجال الدولة، وتفككت الكردونات وفجأة وجدت نفسي في ظهر عبدالناصر، ارتعبت. خاصة عندما ادركت خطورة هذا الاقتراب المحظور طبعا كان رجال الحرس الجمهوري قد اصيبوا بحالة هستيرية وأخذوا يستخدمون كل الوسائل لحجزنا بعيدا. أحس الرئيس بالجلبة. وأدرك ما قد حدث. فالتفت غاضبا للخلف، ورفع يده اليسري وأنزلها بقوة. فأوقف رجال الحرس تحركهم وأخذوا ينظمون السير بهدوء.