كانت السويس أو »هيروبولس» كما عرفها المصري القديم، واحدة من أقدم مراكز التعدين في العصر الفرعوني، حيث كان الجبلان »عتاقة والجلالة القبلية»، أكبر مصدر للمعادن التي استخرج منهما المصري القديم وصنع منها أدوات حياته اليومية، واستلزم نقلها لوادي النيل أو لبلاد بونت، انشاء موانئ بحرية وفق المسجل في البرديات القديمة والنقوش الحجرية المكتشفة في منطقة السخنة. وبعد أن جاءت الحملة الفرنسية الي مصر أدرك علماؤها ما كان يتم حيث يشير محمود رجب مفتش اثار السويس إلي أنه كان بين هؤلاء العلماء العالم الفرنسي وليام وليكنسون الذي زار الموقع عام 1866، ونزل بمنطقة وادي جرف، وسجل ملاحظاته عنها،كما شهدت حقبة الاربعينيات من القرن الماضي، عدة مقالات علمية علي يد خبراء آثريين تحدثوا عن المنطقة وأهميتها ونال الأمر اهتمام الفرنسيين في الفترة من 1945 وحتي 1956، واجروا مسحا أثريا للمناطق الصحراوية خاصة المتاخمة لخليج السويس، ووضعوا ملاحظاتهم في 3 كتب أبرزها كتاب بالفرنسية عنوانه» ذكريات السويس»، وتواصل ذلك عقب ثورة يناير، حيث أجرت بعثة المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية بالتعاون مع جامعة أسيوط، مسحا لتلك لمنطقة ووصلوا إلي وادي الجرف الذي يعد من المواقع الأثرية المكتشفة حديثا. وتقع منطقة وادي الجرف علي ساحل البحر الأحمر، قبالة الكيلو 180 بطريق السويس - الزعفرانة،وأسماها علماء الحملة الفرنسية »رود الخواجة»،وتعد من أقدم الموانئ في التاريخ، وترجع إلي عهد الملك خوفو، الذي كان اسمه مسجلا علي بقايا البرديات الموجودة بالمكان. ويلفت محمود رجب إلي أن موقع وادي جرف الأثري ينقسم إلي ثلاثة قطاعات، الأول يقع داخل هضبة الجلالة القبلية، وعثر فيه الآثريون علي بقايا 40 بردية باللغة الهيروغليفية داخل المغارات المكتشفة بالهضبة تسجل تفاصيل الحياة اليومية للعمال، وأرخها البعض بالعام السادس والعشرين من حكم الملك خوفو،كما كشفت أعمال المسح الأثري عن بقايا مساكن كانت مخصصة للعمال، كما توصلت البعثة الفرنسية المشتركة إلي الكشف عن 30 مغارة، بالإضافة إلي الكتل الحجرية التي كانت تستخدم لإغلاق هذه المغارات مسُجل عليها كتابات بالمداد الأحمر تحمل اسم الملك خوفو داخل الخرطوش الملكي،ويطل الموقع الثاني علي خليج السويس، وكان بمثابة رصيف للميناء،وتم العثور علي بقايا مباني كانت تستخدم مخازن للبضائع والغلال،وعدد من المَراسي البحرية، وانطلقت منه الرحلات البحرية لنقل النحاس والمعادن من منطقة سرابيط الخام شمالا، بجنوب سيناء، إلي أرض وادي النيل، من خلال عبور قناة »سيزوستريس» التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، فضلا عن تقديم الخدمات واعمال الإصلاح للسفن المتجهة إلي بلاد »بونت» جنوبا،فيما يتمثل الموقع الثالث في الجزء المطل علي ساحل البحر الأحمر، والذي عثرت فيه البعثة علي العناصر المعمارية المكونة للميناء، وكان بمثابة التموين والامداد للإنشاءات، بجانب بقايا حجرات لمخازن عثر بها علي العديد من أحجار المراسي الحجرية.