حفلة التيس هو عنوان لرواية رائعة للأديب الحاصل علي جائزة نوبل مؤخراً بعد طول انتظار انتظارنا نحن قراءه ومحبوه »ماريو باراخاس يوسا« من ترجمة القدير صالح علماني.. والرواية تقدم نموذجاً صالحاً في كل زمان ومكان للديكتاتور.. كيف تتم صناعته ورعايته ونفخ ذاته لحد إحساسه أنه إله أو علي الأقل نصف إله. الرواية تتحدث عن شخصية حقيقية حكمت بلاد الدومينيكان لمدة 03 عاماً لاحظ المدة وقارنها بما يحدث وحدث عندنا هو الدكتور الزعيم والرئيس الموقر والمنعم إلي الوطن ومستعيد الاستقلال المالي وأبي الوطن الجديد.. هكذا لقبه.. رافائيل ليونيداس تروخييو مولينا.. أو تروخييو كما كان يختصر اسمه الذي سميت به عاصمة البلاد واستاد البلاد.. ومصانعها ومزارعها وشوارعها ومؤسساتها جميعاً.. تروخييو، تم اغتيال تروخييو في كمين نصبه شباب ثائر ضد حكمه الاستبدادي.. والرواية الرائعة تحكي من 3 وجهات نظر لنفس الأحداث.. وجهة نظر تروخييو ذاته الذي يري في نفسه فعلاً أبا الوطن.. كل شيء باسمه وثروات ومقدرات البلاد في قبضة يده هو وعائلته لديه ابنان فهو مالك كل شيء ابتداء من مزارع قصب السكر والبن وتربية الأبقار والخيول الأصيلة وحتي احتكار الملح مروراً بشركة الطيران والتأمين ومصانع الخمور والتبغ والأسمنت.. الخ. وعندما يسأل عن الحكمة في ذلك يرد كما رد الرئيس المصري السابق خوفاً عليها من لصوص المال العام، أو الهبيشة بلغتنا العامية. أما وجهة النظر الثانية فهي للذين اغتالوه وهم مجموعة من الشباب الثوري الذي اكتوي بناره فقرر قتله.. كلٌ يحكي كيف ظلم أو مات له أب أو أخ بوحشية نظام فاسد كاتم علي أنفاس البشر.. أما وجهة النظر الأخيرة أو الثالثة فهي لأستاذة قانون دولي من أبناء البلد هاجرت إلي أمريكا منذ أن كانت مراهقة هربوها خوفاً من بطش الديكتاتور ولم تعد إلا بعد موته.. واسمها أدرانيا ولادرانيا. قصة حزينة. كان أبوها وزيراً في حكومة الديكتاتور وهي ابنته الوحيدة، أعجب بها الديكتاتور تروخييو وهي مازالت صبية لم تتعد السادسة عشرة.. وأرادها لنفسه.. وقدمها الأب للزعيم الملهم خوفاً من بطشه ليقوم باغتصابها.. هربها أساتذتها وراهبات المدرسة التي كانت تدرس بها ولم تعد أو ترسل خطاباً وحيداً لأبيها منذ سفرها.. هذا الأب الذي طرده الديكتاتور من خدمته فمرض وفقد النطق حزناً علي ابنته وما فعله بها. الرواية رائعة وتستحق وحدها جائزة نوبل التي حيرتنا من دهشة وغرابة وقلة موهبة بعض الذين حصلوا عليها وعدم حصول أدباء تشرف بهم قبل أن يشرفوها بها وعلي سبيل المثال لا الحصر.. الأديب البرازيلي الرائع جورج أمادو صاحب تيريزا باتيستا وفتيان الرمال.. والأديب اليوناني المتفرد نيكوس كازنتزاكس صاحب زوربا اليوناني والمسيح يصلب من جديد. نعود للديكتاتور وصناعته.. أليست قصة تروخييو هي قصة معمر القذافي وصدام حسين وأسد سوريا وحسني مبارك مصر.. إلخ.. تختلف التفاصيل الشخصية ولكن الجوهر واحد.. هذا أكثر دموية من ذاك.. وهذا خفيف الظل والآخر تقيل وسمج الخ.. ولكن تظل الصفات الجوهرية واحدة.. مراقبة الضمائر والأحلام وقتل كل ما هو خير لمستقبل أوطانهم. هنا لا أتحدث عن شخص إنما أتحدث عن رمز تشبث بالسلطة والكرسي حتي صارا كياناً واحداً يصعب فصله والمستفيدون من حوله وهم كثُر يفسدونه أكثر وأكثر لأنهم مستفيدون، هم وأولادهم وأحفادهم.. يريدون ضمان مستقبل جنسهم الآري وصولاً إلي عاشر حفيد، وما أجمل الشخصية المذهلة التي قدمها أروع من كتب المسرح الشعري العربي في تاريخه السوري الراحل سعد الله ونوس في مسرحيته المتفردة »الملك هو الملك« وأعني شخصية أبو عزة المغفل.. هذا التاجر الذي أفلس فتحول إلي مسخرة ويتندر بها الجميع.. يراه سلطان البلاد الذي يتخفي في زي تاجر ومعه رئيس وزرائه فقرر وقد أصابه الملل من حصوله علي كل شيء أن يخلع ملابسه ليرتديها المغفل الذاهل عن الدنيا في حالة سكر بيّن.. حذر رئيس الوزراء الملك أن تلك لعبة خطرة فأصر.. أبو عزة المغفل في سرير الملك.. الذي يقف خلف الستائر ليري ماذا سيفعل خلصاؤه ومحبوه.. مهرجه.. وزوجته والوزراء.. وللعجب ما أن يدخلوا حتي يبدأوا في معاملة أبو عزة المغفل علي أنه السلطان أو الملك.. لم يلاحظ أحد الفرق.. حتي زوجته.. فالملك هو ما يرتديه والكرسي الذي يجلس عليه.. يجن جنون الملك الأصلي ويخرج بملابس أبو عزة ليكشف اللعبة ولكنهم يطردونه وحتي عندما يستنجد برئيس وزرائه ينكره ويعلن الولاء للملك الجديد.. ثم في تطور رائع نري أبو عزة المغفل وقد تحول إلي شخصية دموية تحكم بالحديد والنار بل تحالف مع التجار الذين تسببوا في إفلاسه عندما كان تاجراً.. إنه زواج السلطة بالمال بالفساد. وتنتهي المسرحية بالثائرين وقد خلعوا الملك الجديد.. هل هناك أي فرق بين ما حدث في الفن وما حدث في الحقيقة؟! أترك لكم الإجابة.. وأتمني ألا يحكمنا ثانية.. أبو عزة المغفل أو أبو الوطن وصاحبه والمتحكم الوحيد في أقداره. Medhat [email protected]